وينذر من عذاب أليم - كالرجفة أو ريح فيها عذاب أليم أو يجعل عالي الأرض سافلها أو يغرق كغرق قوم نوح - لانتهت آجالهم، وهذا معنى (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ)، وكانت - إلى - بدل اللام للدلالة على أن قضاء الأجل هو إنهاؤه ويتحقق فيهم قول اللَّه تعالى: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ...)، والخير الذي يستعجلون اللَّه وأنفسهم فيه ليس هو الخير في ذاته ولكنه الخير لأنفسهم - سواء أكان حلالا أم كان حراما، وإن اللَّه لَا يعجل السيئة التي تسوؤهم أو النازلة التي تنزل بهم إملاء لهم، عسى أن يكون من ظهورهم من يعبد اللَّه، ولذا قال سبحانه لمشركي العرب:
(... سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأملِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ).
فالإهمال ليس إهمالا ولكنه أولا: لتمكينهم من أن يعملوا صالحا إن أرادوه وثانيا: ليكون الجزاء الأوفى إذا استمروا في ضلالهم، وثالثا: ليعرفوا العبر.
وفى قوله: (فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهونَ) (الفاء) للإفصاح عن شرط مقدر، أي إذا كنا لم نعجل لهم العذاب الدنيوي - نذرهم في طغيانهم.
(نذرهم)، أي نتركهم لاهينِ عمين عن الحق وعن البعث غير مدركين، وعبَّر سبحانه بالموصول: (الَّذِين لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) للإشارة إلى أن السبب في استمرار طغيانهم وتجاوزهم أنهم لَا يتوقعون لقاء اللَّه تعالى وتلقي الجزاء فيخافون، أو تلقي الثواب فلا يطغون، ولكن المناسب هنا هو جزاء الطغيان إذْ هو المذكور. والطغيان هو تجاوز الحد والاعتداء على الأشخاص فيسيرون وراء أهوائهم وشهواتهم وطغيانهم لَا يقفون عند حد من الحدود فيرتكبون ما شاءت لهم أهواؤهم بعد أن جعلوا إلههم هواهم.


الصفحة التالية
Icon