أولهما أن المعجزة الكبرى (القرآن) هي من عند اللَّه اختارها لكم في غيبه المكنون، وأنه أمهلكم لَا ينزل عليكم الآيات المهلكة لحكمة يعلمها؛ لأن شريعة محمد - ﷺ - تخاطب الأجيال كلها، وعسى أن يخرج من أصلابكم من يعبد اللَّه.
ثانيهما: أن محمدا - ﷺ - لَا يعلم الغيب، وهو بشر مثلكم بعث فيكم رسولا منكم، ولذا يقول سبحانه: (فَانتَظِروا إِنِّي مَعَكم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ).
" الفاء " للدلالة على أن ما بعدها مترتب على ما قبلها؛ لأنه إذا كان علم الغيب عند اللَّه تعالى وحده فإنه - ﷺ - عليه انتظار ما غيب عنهم.
كما أن قوله هذا سبحانه وتعالى يومئ إلى المساواة بينهم وبين رسوله - ﷺ - في علم الغيب، وأكد هذه المعية إدماجه - ﷺ - في المنتظرين وأنه معهم.
ليس في ذلك تصغير لمقام النبوة، ولكنه بيان لمنزلة النبي البشر، وتأكيد بأنه يتكلم عن اللَّه سبحانه.
ثم يبين سبحانه الطبيعة الإنسانية التي تخرج عن الفطرة، تمسها الضراء فتهن، وتذوق النعماء فتبطر، وينسيها الترف ما كان في ضرائها. يقول تعالى:
(وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (٢١)
وتلك هي الطبيعة الإنسانية غير الصابرة، تذوق النعمة فتبطر معيشتها، وتمسها الضراء فإذا بها في ضعف وخور ويأس، تلجأ إلى اللَّه فإذا أذاقها الرحمة عادت إلى طغوائها.
الضراء: هي الضرر فقد تكون مرضا يصيب الجسم أو جوعا وقحطا، فالضراء هنا تشمل السقام وتشمل القلة في الطعام والرزق، وقد أصاب قريش القحط سبع سنين دأبا حتى جاءهم الغيث فكان رحمة بهم بعد القحط وقلة الغذاء، وقد عبر سبحانه بالإذاقة في قوله تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ) للإشارة إلى التمكن من الرحمة والدلالة على أنهم تمتعوا بعد الحرمان.