بعد أن بين سبحانه في الخلق ما يدل على التوحيد وأن كفر من كفر عجيب وغريب ذكر أنه قد سجل علييم. (كذَلِكَ)، (الكاف) للتشبيه إشارة إلى ضلالهم بعد أن قامت البينات القاطعة في الخلق والتكوين وإقرارهم بأن اللَّه الخالق وحده لَا خالق سواه، ثم بعد ذلك ينحرفون من غير سبب للانحراف إلا ضلالهم.
أي أنه كهذه الحال التي رأيتموها (حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)، أي أنهم ينحرفون عن الأمر الذي يقرونه ويقره العقلاء.
أي أنهم ينظرون إلى الأشياء نظرا منحرفا كما ينظر من رَمَدَ أو حَوِلَ، ثم ينغمرون في طريق الانحراف حتى يبلغوا في ضلالهم أقصاه.
فمثل هذا هو الذي حقت به، أي ثبتت به كلمة اللَّه التي لَا تختلف ولا تتغير، على الذين فسقوا وانحرفوا وتمردوا على الحق، وأظهر في موضع الإضمار للإشارة إلى أن فسقهم وتمردهم أدى بهم إلى ما حق عليهم.
(أَنَّهُمْ لَا يؤْمِنُونَ)، (أَنَّهُمْ): بدل بيان من (كَلِمَتُ رَبِّكَ)، أي أنهم لا يؤمنون فهو نفي للإيمان ذلك لأنهم سلكوا طريق الباطل.
أي كذلك حقت على الذين فسقوا كلمة ربك التي هي (لا يُؤْمِنُونَ).
بعد أن بين سبحانه أنه الخالق للكون والأرزاق، والمدبر للوجود وحده أخذ يبين عجز من اتخذوهم أربابا من دونه، فقال تعالى:
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤)
أُمِرَ النبي - ﷺ - بأن يتولى جدالهم وإفحامهم وأن يسألهم (هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِّيدُهُ)، وشركاؤهم: الأوثان والأحجار والأناسي التي ادَّعوا أنها شركاء لله في العبادة، أي هل في الأوثان التي تعبدونها أو غيرها مما زعمتم من يبدأ الخلق ثم يعيده.