وإذا كان للصبر هذه المنزلة، فأولى أوصاف النبيين الصبر، الصبر في سبيل الدعوة والاستمرار في التبليغ، والصبر على الأذى والتحديات الآفنة (١) والمطالب الجائرة والحائرة، ولذلك قال تعالى:
________
(١) الآفنة: التي تجمع بين النقص، وضعف العقل، والحمق. راجع لسان العرب - أفن.
(فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)
(الفاء) فاء الإفصاح لأنها تفصح عن شرط مقدر، والشرط تحريض على الصبر وتقديره، إذا لم تصبر فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك. أي أنه لَا مناص من الصبر على الأذى والتأني لهم حتى يكون النصر المبين، وإلا فإنك تنزل عند رغباتهم الآثمة. (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ). (لعل) هنا فيها إشارة إلى ما يرجون، فلعلك أنت يا رسول اللَّه إلى خلقه أجمعين تجاريهم في ترك بعض ما يوحى إليك من شرع مرضاة لهم، فتحرم ما يحرمون وتبيح ما يبيحون. تحرم ما يحرمون من طيبات، وتجيز طواف العرايا ثم تنزل في مرضاتهم حتى تسيغ لهم عبادة الأوثان أو يكون السكوت عنهم فيها.
(وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) الضمير في (بِهِ) يعود إلى (مَا يُوحَى)، (ضَائِق) أي يعرض أمر غريب على نفسك وهو أن يضيق صدرك ببعض ما أنزل عليك وبعثت من أجله وبه اهتديت وبه تهدي.
ليس المعنى أن النبي - ﷺ - قد ضاق صدره أو يضيق، إنما المعنى أنهم يرجون أن تترك بعض ما أوحى إليك وأن يضيق صدرك بإيذائهم فتتركه مضطرا.
والنبي - ﷺ - لم يكن منه شيء من ذلك ولا يفكر في شيء منه ولكن يحرضه اللَّه تعالى على البقاء على الدعوة وتبليغ الرسالة غير ملتفت إلى أحد منهم، ثم قال تعالى: (أَن يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) وهذا متعلق بمحذوف " كراهة أن يقولوا لولا " أو نقول إنه متعلق بـ (ضَائِقٌ) ويكون المعنى على هذا: