الأمر الأول: كان خطاب اللَّه تعالى لمن مع النبي - ﷺ - لأن تحدي النبي - ﷺ - وتكذيبه تكذيب لمن اتبعه وآمن به، وللإشعار بالتعاون التام بينه - ﷺ - وبين صحبه الأولين الذين هم كالحواريين أنصار عيسى - عليه السلام - إلى اللَّه تعالى، ولأن عليهم التبليغ بعد أن آمنوا؛ إذ هو جهاد، وهم المجاهدون الأولون الذين خوطبوا بالجهاد ابتداء، وهم حملة الرسالة المحمدية من بعده وحاملوها معه - ﷺ -.
وإذا كانوا لم يستجيبوا ويأتوا بعشر سور مثله فقد لزمتهم المحجة، فوجب عليهم أن يؤمنوا ووجب عليكم معشر المؤمنين أن توثقوا علمكم بأنه من عند الله تعالى، ولذا قال تعالى مخاطبا المؤمنين: (فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) (الفاء) واقعة في جواب الشرط، واعلموا بالبرهان القاطع الحاسم أنه ما أنزل إلا بعلم اللَّه تعالى.
وكلمة (أَنَّمَا) أداة حصر تنفي وتثبت، فهي تنفي أن يكون مفترى وأثبتت أنه أنزل بعلم اللَّه فليس مفترى عليه سبحانه. وهذا يدل على أن الله تعالى بعث محمدا - ﷺ - به ليكون معجزته الكبرى ودليله على رسالة ربه، وإن اللَّه تعالى معلمكم صدقه ولو كان من غيره ما كان معلمه.
الأمر الثاني: هو أن لَا إله إلا هو، لأنه إذا ثبت أن القرآن من عند اللَّه وبعلمه نزل، فيكون ما اشتمل عليه حقا وصدقا، ومما اشتمل عليه الوحدانية فلا معبود إلا اللَّه تعالى وهو العزيز الحكيم.
ولقد قال بعد ذلك، والخطاب للمسلمين (فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ) (الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي إذا قامت الحجة على أنه من عند اللَّه، فبايعوا محمدا - ﷺ - على الإسلام وأخلصوا وجوهكم للَّه وأحسنوا، والاستفهام هنا يتضمن معنى الطلب، وقال علماء البلاغة: إن أبلغ صيغة تدل على الطلب المؤكد هي الصيغة التي تصدر بالاستفهام مثل: (... فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهونَ)، ومثل (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)