من لم يرد القتل المباشر، بل أراد القتل البطيء، أو الموت المحتمل وذلك حين تكون الحياة أقرب من الموت، ولذا قال: (... يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ...).
* * *
التنفيذ
ذهبوا إلى أبيهم، و (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢).
عندئذ قال يعقوب ما يدل على توجسه خيفة على ولده الحبيب العزيز، وفرطت من الرجل الطاهر نبي الله كلمة اتخذوها ذريعة لستر جريمتهم، قال لهم: (... إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (١٣).
لقد ذكر أنه يخاف أن يأكله الذئب، في غفلتهم، فلقنهم ما يستر إجرامهم، قالوا وقد وجدوا الحجة وأخفوها في أنفسهم، (... لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (١٤).
ذهبوا به واجتمعوا أن يلقوه في غيابة الجب (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥)، وقد ألقى اللَّه تعالى في روع يوسف الغلام الحبيب أنه سيعلو عليهم، وسينبئهم بأمرهم هذا وهم لَا يشعرون.
بعد أن ألقوه في الجب (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧).
وهكذا ترى أن الأب الشفيق الكريم قال إني أخاف أن يأكله الذئب، فقالوا ساترين جريمتهم أكله الذئب، ونبي اللَّه تعالى لم يصدق أبناءه، بل قال بعد أن جاءوا على قميصه بدم كذب: (... قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨).