وهكذا شأن أتباع الملوك، لَا يتذكرون واجبا إلا لإرضاء صاحب السلطان فادّكر بعد فترة طويلة ساقي الخمر للملك (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا..) وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (... أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) ذهب إلى السجن، وقابل السجين الطاهر المؤمن النبي، فقال: (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (٤٦).
قال الصدّيق الطاهر، الذي علمه ربه: (... تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩).
أي يحلبون، ويعصرون فالعصير من الثمار.
علم الملك الذي أوّلت له الرؤيا، ولعله نسي المراودة وأمرها كشأن حكام مصر من الأزل، ينسون من يحسن إليهم ولا يذكرونه، وأي إحسان أعظم من أن يكرم شرفه وعرضه.
قال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي، ولكن يوسف الصديق الطاهر لا يذهب إلا وقد ثبتت براءته، فقال للرسول الذي أرسله الملك (... ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠).
رجع الملك إلى الماضي، وسأل امرأته التي فتنت بالصديق وأسند يوسف الكريم الأمر إلى النسوة، ولم يسنده إلى امرأة الملك.
قال الملك: (... مَا خطبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ...)، عندئذ تقدمت امرأة العزيز تعترف بذنبها، وتبرئ يوسف، قالت امرأة العزيز: (... الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)