قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٩٦) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨).
وبهذا تنتهي قصة يوسف الصديق الحبيب؛ أُخذ من بين أهله، وأُلقي في الجب، وانتهى ملكا مصلحا، ونبيا مبشرا ونذيرا، وكان له أثر في مصر، ذُكر بعده بقرون عندما بعث موسى، فقد قال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ ممَّا جَاءَكُم بِهِ...).
التقى الأحباب (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا...)، أي خضعوا لحكمه كما تخضع الرعية لراعيها العادل، لَا أنهم سجدوا له كما كان يسجد للفراعنة، فمعاذ اللَّه أن يكون نبي اللَّه يعقوب ساجدا لغير اللَّه، ومعاذ اللَّه أن يقبل ذلك يوسف نبي اللَّه من أبيه.
أخذ يذكر يوسف أباه برؤياه الأولى، ويذكر له كيف أخرج من السجن بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته ولم يبق إلا أن يحمد اللَّه على ما أوتي من نعمة، ويقول: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١).
* * *
العبرة
كانت القصة كلها من الأخبار الغيبية على العرب، وقد كان فيها أخبار عن ناس لم يكن من شأنها أن تكون معلمة، معلنة، إذ هي أخبار أسرة، (... وَمَا كنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) فتلك أخبار النفوس لَا يعلمها إلا علام الغيوب، وتلك معجزة الذي كفروا به.
وإن الكون كله آيات بينات دالة على منشئه الواحد الأحد الفرد الصمد، وإذا كانوا يؤمنون باللَّه تعالى، فهو إيمان بالقدرة، ووحدانية الخالق المنعم، ولكنهم يعبدون غيره، وهذا قوله تعاِلى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُون).


الصفحة التالية
Icon