ولكن السورة أشارت إلى أن الوقاية منه هو منع ما يثيره، بإظهار المنزلة العالية، لبعض الأبناء، وإظهار البخس للآخرين أشار إلى ذلك قول يعقوب ليوسف: (لا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا.) وإن هذا الحسد ليس حسدا مستمكنا بحيث يبقى بين الإخوة ما داموا، بل إنه سرعان ما تقضي عليه المحبة التالية التي إن اختفت حينا، فلن تختفي طوال الحياة، وسرعان ما تكون، وهي الباقية، والأصل، والحسد عارض لَا يدوم، ألم تر لقاء يوسف بإخوته ذلك اللقاء الحبيب، وهم يقولون: (... تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٩١).
والثانية: من الآيات النفسية. أنه لَا يذهب بقوة الرجل غير الحزن الدفين المستكن في النفس، فهذا يعقوب الإنسان يُمضّ نفسه الحزينة، حتى تبيض عيناه من الحزن وهو كظيم.
الثالثة: أن البِشْر بعد البؤس، والسرور بعد الألم يرد إلى النفس ما أذهبه الحزن، فإنه لما ألقى على وجهه قميص يوسف ارتد بصيرا؛ لأن الحزن قد ذهب إلى غير أوبة، والسرور يفعل فعله في الجسم فيزيل ما فعلته الكآبة فيه.
الرابعة: أنه في وسط ثورة الباطل وحدَّته في غلمان يعقوب وحسدهم لأخيهم وجد من يدعو إلى الرفق، ويستمع إليه، فقد اتفقوا على قتله، فجاء واحد منهم، وهم في حدة الحسد، وقال: (... لَا تَقْتُلُوا يوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَارَةِ...)، وهذا يوحى إلى أن كلمة الرفق لها استجابة في أشد الإخوة عنفا.
الخامسة: إن أشد ما يثير الحسد، هو الإيثار بالمحبة، فإن إثارة الحسد، لا تكون بالإيثار بالطعام أو الشراب وإعطاء المال فقط، بل إن الإيثار بالمحبة أفعل وأشد، ألم تر أولئك الغلمان يقولون: إن يوسف وأخاه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة..