فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)
* * *
كانت الرحلة السابقة مرحلة ظهور الحسد البغيض، والكيد والتدبير السيئ، وهذه الرحلة مرحلة التنفيذ بلا رحمة وبإحكام، ذهبوا إلى أبيهم يعتبون عليه بظاهر من القول أنه لَا يأمنهم على يوسف،
(قَالُوا يَا أَبَانَا) نادوه بالأبوة التي تجمعهم بيوسف، وأبدوا له أنهم يحدبون عليه ويحبونه، (مَا لَكَ لَا تَأْمَنًا عَلَى يُوسفَ) أي لأي سبب سوغ لك ألا تأمنا على يوسف، وهنا أدغمت نون (تأمن) مع (نا) ضمير المتكلمين، (وَإِنَّا لهُ لَنَاصِحونَ) النصح يتضمن الشفقة والإخلاص وإرادة الخير، وقد أكد الكاذبون نصحهم له بـ (إنَّ) وباللام، وبالجملة الاسمية، وكان هذا التوكيد لأنهم يريدون أن ينزعوا من نفس أبيهم ما يعتقد أنهم يحسدونه، فهم يقولون: إنا نحبه ونريد الخير، ولا نبغضه.
وبنوا على قولهم الذي أظهروا فيه الشفقة والحرص والحبة قولهم:
(أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (١٢)
نرتع، أي نجري مرحين في خصب الأرض والزارع، ومتسع الأفق، ويلعب معنا، وذكر ذلك بصيغة تدل على اتصاله بهم، وأنهم جمع واحد، يرتع ويلعب، فهو ليس أجنبيا عنهم، بل يرتعون معه، ويرتع معهم، وطمأنوا أباهم، فقالوا: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وأكدوا حفظهم له