و (أَكْبَرْنَهُ)، أي جعلنه في موضع الإكبار والشرف، ولذهولهن من الروعة التي تبدَّى بها جرحن أيديهن، وعبر سبحانه عن الجرح بالقطع، لأن الجرح كان بليغا، ولأن الجرح في حد ذاته قطع لبعض البشرة، وقلن تلك الكلمة المعبرة عما في نفوسهم: (مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) بهرهن حتى ارتفعت مرتبة الإنسانية إلى مرتبة الملكية. فـ (إِنْ) هنا هي النافية أي ما هو إلا ملك كريم.
التفتت امرأة العزيز إليهن، وقد رأت الجروح تسيل بالدم من أيديهن، وما اعترى نفوسهن من إكبار له، واستهواء حتى حسبنه ملكا كريما، وليس إنسانا من الطين.
(قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ... (٣٢)
وكأنها تقول مُصِرة على غيها، فهل هذا، وهل كان يجوز أن تلمنني فيه، وقد قطعن أيديكن، إذ رأيتهن عبر النظر، فما بال من تكون قريبة منه يطلع عليها نوره دائما؟!، لقد انكشف أمرهن، وصبون إليه فكشفت نفسه لهن، ولا ملام عليها، وكان حقا في منطقها أن يعذرنها.
فقالت: (وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ) كشفت كل ما كان خفيا، أو ما كان ينبغي أن يكون، وبلغت الغِلْمة أقصاها، ولم تعد المراودة والملاطفة، لأنه استعصم، أي طلب العصمة، وتمسك بها، وتحول الأمر إلى إكراه بالسجن، وتصغير أمره وشأنه في القصر.
ولكن يوسف الأمين المحفوظ برعاية اللَّه، والمحصن بحصن الإيمان، ازداد قوة في الاستمساك بالعفة؛ وإنه إذا كانت المراودة والتلطف تدني، فالإكراه يجافي ويبعد، وإزاء التهديد لجأ إلى ربه معاذه وملجأه قال:
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣)
قالت المرأة الشبقة المغتلمة، إما السجن، وإما الاستسلام لها، فقال عليه السلام: (السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)، وإذا كانت قد بلغ بها عنف