أى بدا لهم الإصرار على سجنه لدة معينة، حتى ينسى الناس حوادث المرأة والنسوة اللاتي انضممن إليها، وقد أكدن هذا الأمر الذي بدا لهم بالقسم، ولامه، ونون التوكيد، ولكن السجن كان مؤقتا، وليس مطلقا كما ظهر من كلامهم.
وكان تأكيد السجن، لأنه لم يكن منطقيا أن يسجن وهو البريء، ولكن لأنهم وجدوه إطفاء لهذه الشائعة التي هزت مقومات المجتمع، ، وأشاعت القول بالفاحشة - عن أكبر سدة في مصر، فكان التأكيد بالسجن أيقاوم منطق البراءة الذي يوجب الثناء وطيب الجزاء، بدل العقاب والإلقاء في غياهب السجن. حسنت الألفة بين يوسف الحبيب، ومن معه في السجن؛ لأنه أليف بفطرته، ولأن الضعف يقرب ولا يبعد، ولأن محنة السجن جمعت بينهم، والمحنة تجمع، ولا تفرق.
رأى أحدهما أنه يعصر خمرا، أي يعصر عنبا يكون بعد. ذلك خمرا، فعبر بالخمر باعتبار المآل، ورأى الآخر أنه يحمل فوق رأسه خبزا، وتأكل الطير منه.
اقتضى حسن الصحبة أن يلجئا إلى يوسف، وقد توسه سا فيه الخير، فاتجها إليه قائلين:
(نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحسِنِينَ (٣٦)
أي أخبرنا الخبر الخطير بتأويله أي بمعرفة مآله، لأنا نراك محسنا من المحسنين، أحسنا الظن به، وأكدا أنهما يريانه محسنا من المحسنين.
أجابهما يوسف، ولكن قبل أن يجيبهما دعاهما إلى الحق وإلى عبادة اللَّه وحده، وأثبت ما يوجب نبوته، ونحسب أنه في هذا الوقت بلغ كمال الرجولة، ولنجزئ الكلام في المعجزة والدعوة.
أما المعجزة فقد قال ما يدل على أنه يتكلم عن اللَّه تعالى، وأن اللَّه تعالى يعلمه قال:
(لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا... (٣٧)
التأويل هنا معرفة حقيقة الطعام، ومآله، وقال ليس ذلك بإعلام أحد، إنما هو من تعليم اللَّه تعالى، ولذا قال: (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي ربِّي)، وإن ذلك إخبار