سنبلات خضر وأخر يابسات لَا خضرة فيهن، وهي متجاورات، نادى ملأه، وهم شيعته الذين يحيطون به وقال: (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيَايَ إِن كنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبرُونَ)، يقال عَبَرَ الرؤيا، أي جاء بما تدل عليه الحال النفسية التي دلت عليها من عبارة بينة موضحة، وقد تكون من عبور النهر بمعنى عبر النهر، أي بلغ نهايته، وهي هنا ما تنتهي إليه الرؤيا من حقائق قد تكون ثابتة، ومعنى (أَفْتُونِي فِي رُءْيَايَ)، أي اعبروا إليّ هذه الرؤيا التي هي أمري وحالي المستولي على نفسي المستغرق لها.
ولقد أجابه ملؤه مجهلين لحاله، وما يشغله، أو مسرين عليه، حتى لَا يلج به الهم الغالب، وذلك هو الأقرب المعقول بين ملك وحاشيته.
(قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (٤٤)
(أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ) أي أخلاط، والأحلام، أي أحاسيس نفسية مختلطة، والأضغاث جمع ضغث، والضغث هو مجموع النبات من بقل أو حشيش، أو حزمة من العصي، كما قال تعالى في قصة أيوب عليه السلام إذ فدى يمينه من الحنث بضربه ببضعة من الحشائش والأخلاط. (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤).
وأتموا الجواب بنفي قدرتهم على تأويل الأحلام، فقالوا: (وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ) وما نحن بمعرفة مآل الأحلام بعالمين، أكدوا نفي علمهم بالباء في (بِعَالِمِينَ)، وكان تأكيد ذلك النفي لتأكيد أنه لَا مدلول لها؛ ليطمئن بعد أن أصابه القلق الملقي بالهم والحزن.
عندئذ تذكر صاحب السجن بعد أن أنساه الشيطان، والحوادث يذكر بعضها ببعض إذا كانت متجانة فذكرته رؤيا الملك برؤياهم، ولذا قال تعالى:
(وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥)
وهو الصاحب الثاني