متراكبا، ونخيلا وجنات، وفوق ذلك هم يسلمون بأنه الذي ابتدأ خلقهم، والابتداء في حكم العقل والفكر أشد من الإعادة، كما قال تعالى: (... كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)، وعجبهم الضال هو في أنهم بعد أن يصيروا ترابا يعودون أحياء.
والاستفهام للإنكار، لإنكار الوقوع مع الغرابة من هذا الوقوع، إن كان، وكرر الاستفهام (أَئِذَا كنَّا تُرَابًا)، وقولهم: (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)؛ لأن موضع الغرابة هو الخلق الجديد بعد أن يصيروا ترابا، فدخل الاستفهام على الحالين، والتعبير بـ (خَلْقٍ جَدِيد) يدل على موضع استغرابهم، ونسوا أن الذي يخلقهم خلقا جديدا هو الذي أنشأهم ابتداء على غير مثال سبق، ومن أنشأ على غير مثال سبق قادر على الإعادة على المثال الذي بدأه.
والسبب في ذلك أنهم كفروا بربهم؛ ولذا قال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) الإشارة إليهم محملين بهذا العجب من إعادة الخلق جديدا ممن بدأه، وفي هذه الجملة السامية بيان سبب الإنكار وهو أنهم كفروا بربهم، كفروا بقدرته القاهرة، والتعبير بربهم في هذا المقام له سره العميق؛ لأنهم يكفرون بقدرته وهو الذي أنشأهم، ويربيهم، ويقوم على أمورهم، فكيف يعجز عن حال من أحوالهم.
(وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ) الإشارة إليهم على النحو الذي بيناه، والأغلال جمع غل وهو القيد الذي يرفع اليد إلى الأعناق، وذكرت الأعناق في الآية لتأكيد وجود الغل، وفي الكلام ما يفيد أن الأغلال معنوية؛ ذلك أنهم لسيطرة المادة عليهم كانوا كأنهم في أغلالها لَا ينفصلون عن هذه الأغلال، فالكفر بالغيب أدَّاهم إلى هذه الحال المثيرة للعجب من أمرهم، ففي الكلام استعارة، شبهت حالهم في استغراق المادة لنفوسهم بحال من وضع الغل في عنقه، فلا يتحرك إلا تحت سيطرة هذه الأغلال، و (أَعْنَاقِهِمْ) ترشيح للاستعارة.