وهناك تخريج آخر، وهو أنهم يكونون في أغلال من حديد يساقون بها إلى جهنم، وقد أكد سبحانه وتعالى بعد ذلك أنهم أصحاب النار هم فيها خالدون.
فقال سبحانه وتعالى: (وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ همْ فِيهَا خَالِدُونَ) الإشارة لما ذكرنا إلى موضع العجب من أمورهم، وقد أكد خلودهم في النار بالتعبير عنهم بأنهم أصحاب النار، أي الذين يلازمونها بالصحبة الدائمة المستمرة، وبـ (هم) التي تدل على التوكيد، وتدل أيضا على اختصاصهم بالدخول في النار والخلود فيها، ، أنهم يبالغون في إنكار البعث، ولا تجديهم النذر، بل يستهزءون بالإنذار بعد الإنذار.
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (٦)
السين والتاء للطلب، فهم يطلبون التعجيل بالسيئة قبل الحسنة، أي أنهم عندما يسمعون البشير والنذير، يستعجلون العقوبات التي تكون في الإنذار بدل أن يعملوا الحسنات ويستعجلونها طالبين لها، وذلك من فساد الفكر وضلال النفي، وسيطرة العادة، والمبالغة في إنكار الحق، فإذا جاء إنذار بعذاب شديد إن استمروا في غيهم، وجنات النعيم والعزة في الدنيا إن استقاموا على الطريقة واهتدوا، لا يفكرون في فعل الخير يستعجلون به بل ينساقون في الإنكار ويستعجلون السيئة متهكمين، مهملين مستهترين، والسيئة هي ما يسوء في ذات نفسه، والحسنة ما يحسن في ذات نفسه فهم يطلبون السيئ تحديا وتهكما، واستهتارا، وكأنهم لا يعبئون.
ويفعلون ذلك، ويقولونه، مع أن العبر بين أيديهم شاهدة بصدق ما يخبرهم به ربهم! ولذا قال تعالى: (وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم الْمَثُلاث) و (خَلَتْ) معناها مضت) (مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ) والمثلات جمع (مَثُلَة)، كـ (سَمُرَة)، أي خلت العقوبات التي نزلت بالذين من قبلهم كما عتوا وتجبروا، وعاندوا رسلهم، كقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وسميت مَثُلَة؛ لأنها كانت عقوبة