متماثلة لما ارتكبوا، ويصح أن تكون مشتقة من مثال بمعنى قصاص للتماثل بين الجريمة والعقوبة، وذلك أعدل وأردع.
وإنه سبحانه وتعالى مع عدله في أن تكون العقوبة على قدر الجريمة، وملاحظة التماثل بينهما من غير أي بخس لعمل ولا مجاوزة للعقاب يعفو عن كثير، ولذا قال تعالى بعد أن قرر أن المثلات قدْ مضت، أنه عندما يشتد سيل الشر ويتفاقم أمره ينزل العقاب، دفعا للشر ووقفا له حتى لَا يعم الفساد، ويضل العباد، قال تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ) أي إن ربك لذو مغفرة، تلازمه المغفرة كما يلازم الصاحب صاحبه حال كونهم ظالمين لأنفسهم بالشر الذي ارتكبوه، ولكنه يقبل التوبة فالتوبة الغفران، كما قال تعالى: (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ). فالظلم بمعنى ظلم النفس بارتكاب المعاصي وليست بمعنى الشرك، فإنه ظلم كما قال تعالى عن لقمان: (... إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، ولكنه هنا بما دون ذلك، لأن اللَّه تعالى لَا يغفر الشرك، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ...)، وكما أن اللَّه سبحانه وتعالى صاحب المغفرة التي هي ستر الذنب، ولا يحاسب عليه إذا كانت دون الشرك، فهو أيضا شديد العقاب على المصرِّين على المعاصي الذين أحاطت بهم خطيئاتهم واستغرقت نفوسهم، ولذا قال تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ)، أي إن عقابه شديد لمن أصر على المعصية وتدرنت بها نفسه وأظلمت.
وقد أكد سبحانه وتعالى عقابه بالجملة الاسمية، وبـ (إنَّ) التي للتوكيد، وباللام.
ويلاحظ أنه سبحانه وتعالى عبر بالرب في صحبة المغفرة، وشدة العقاب، وفى ذلك إشارة إلى أنه من مقتضيات الربوبية، فهو يهذب عبيده بالإنذار بشدة العقاب، وفتح باب التوبة من غير أن يقنط العصاة من رحمته، كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا...).