ويصح أن يكون (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) ليست وصفا جديدا بعد (يَحْفَظُونَهُ)، إنما التقدير يحفظونه من أمر اللَّه، أي مما كتب اللَّه تعالى عليه أن ينزل من صواعق أو خسف، أو غير ذلك من ملمات الأمور، فاللَّه سبحانه ينزل عليه ما قد يؤذيه، ويكلؤه بحفظه من الملائكة يحمونه، وكلا الأمرين بعمل من اللَّه تعالى، فهو رحيم في ابتلائه، ويقارب هذا المعنى ما قاله شاعر العربية في زمننا شوقى، إذ يقول:
وقى الأرض شر مقاديره | لطيف السماء ورحمانها |
ويصح أن نقول: إن المعنيين مرادان، إذ لَا تناقض بينهما، ويمكن الجمع فيهما إعمالا للقراءتين، فالحفظ بأمر اللَّه، ومما ينزله تعالى من أمور تكرثه كتعرض للغرق أو الحرق أو غير ذلك، وإن كل شيء بقدر، وكتبه اللَّه تعالى.
وإن التعبير عن الكوارث والنوازل بأنها من أمر اللَّه تعالى ينبئ بأن ذلك يكون في كثير من الأحيان عن معاصي يرتكبها الناس في ذات أنفسهم، أو مجتمعهم، أو تخاذلهم عما أمر اللَّه تعالى به من أخذ الأهبة.
وقد أشار سبحانه وتعالى أن الريح الصرصر العاتية قد تجيء بسبب الظلمِ، فقال في شأن الخير الذي يفعله الكافرون من غير إيمان (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧).
وقد صرّح اللَّه سبحانه وتعالى بأن المعاصي والمفاسق يصيب أصحابها بالجوع والفقر، فقال: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢).
هذا بعض ما يدل عليه قوله تعالى: (مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)، أي أن المحن تكون بأمر اللَّه ويحفظ الناس بحَفَظةٍ من الملائكة حتى لَا يعم الهلاك.