وإن الوقاية ليست في حفظ الملائكة فقط، بل إن تغيير الحال من ظلم إلى عدل، والنفوس من انحراف إلى استقامة، هو الحماية الكبرى، ولذا قال تعالى عقب حفظ اللَّه بالملائكة عند نزول قدره: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
والمعنى الجملي أن اللَّه تعالى لَا يغير ما بقوم حتى يغيروا أنفسهم، فإن كانوا في خير يأتيهم رزقهم رغدا من كل مكان لَا يغير حالهم إلى ضراء وبأساء إلا إذا غيروا أنفسهم من خير إلى شر وانحراف، ولا يغير اللَّه حال قوم أصابهم الضر والشر والخذلان والهزيمة أمام أعدائهم، إلا إذا غيروا حالهم من فساد إلى صلاح، ومن تخاذل نفس وتفرق كياني إلا إذا غيروا أنفسهم واجتمعوا على الحق، وتركوا التنابز والتدابر، وقد أكد سبحانه وتعالى هذا المعنى بالجملة الاسمية، وبتصدير الكلام بلفظ الجلالة اسم اللَّه العلي الأعلى القادر على كل شيء وبالغاية (حتي)، فجعل تغير الحال الأليمة إلى حال صالحة راضية منتفية إلا إذا غيروا ما بأنفسهم، أي إنهم يستمرون في الآلام تنزل بهم إلى أن يغيروا أنفسهم.
وما أحرانا نحن المسلمين بالاعتبار بهذه الآية، لقد كنا أعزّة بعزة اللَّه تعالى حتى تفرقنا، وأضعنا أحكام القرآن بيننا، حتى صارت غريبة تستغرب إذا ذكرت، وضاعت لغتنا، واستنكرت حال من يستمسك بها، وتقاتل المسلمون بعضهم ببعض، ووالوا الكفار واستنصروا بهم على بعض وصرنا وراء كل الأمم، فهل لنا أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير اللَّه حالنا.
ولكن أراد بنا هذا التخاذل، وقد قال: (وِإذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْم سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ). (السوء) ما يسوء الأمم من الهلاك أو الهزيمة، أو الخسران، أو الحرمان، أو الفساد والدمار، إذا أراد اللَّه تعالى ذلك وأشباهه، مما تضيع به الأمم وتذهب قوتها من أعمالها، بأن ارتكبوا الشر واستعذبوا فعله، إذا أراد اللَّه ذلك بسبب ما في نفوسهم وما يرتكبون فإنه نتيجة حتمية لعملهم، وأراده اللَّه تعالى فيهم بسبب سوء ما يصنعون.


الصفحة التالية
Icon