(وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ) ومع هذا البرق الخاطف للأبصار الذي يرونه ويفزعون له، ويرجون المطر منه، وهزيم الرعد الذي يسبح للَّه تعالى، وتسبيح الملائكة من خيفته، وإرسال الصواعق الحارقة مع رؤيتهم هذه الظاهرة الدالة على القدرة القاهرة، والإبداع الباهر يجادل المشركون في اللَّه؛ ولذا قال تعالى: (وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ) يجادلون في قدرة اللَّه تعالى على إعادتهم في البعث، كما بدأهم، ويجادلون في اللَّه فيحسبون أن الأحجار تعبد لأنها تكون شفيعه عنده، ويجادلون في قدرتها فيحسبون أن لها قدرة مع قدرته سبحانه وتعالى، وغير ذلك من الأوهام الفاسدة التي يثيرونها حول الذات العلية، والجدل من جدل الحبل إذا فتله فتلا شديدا ليحمل به الأشياء الثقيلة، ويشد عليها، واستعمالها هنا بمعنى فتل الحجة الباطلة يريدون أن يعتمدوا تفكيرهم الفاسد، ووهمهم الباطل عليها، (... وَكَانَ الإِنسَان أَكْثَرَ شَيْء جَدَلًا).
ولقد ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك أن جدلهم في هباء أمام قدرة اللَّه تعالى، فقال سبحانه وتعالى: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) الضمير في (وَهوَ) يعود إلى اللَّه تعالى، والمحال: قال الأزهري: إنه القوة والشدة، ويقال: ماحلت فلانا أي قاومته حتى يتبين أينا أقوى، ومِحَال فِعَال من المماحلة، أي أنه لَا يغالبه في الوجود أحد فهو أقوى من كل الوجود، ومع ذلك يجعلون ذاته الكريمة موضع جدال. ولكنه الضلال الذي أوجد غمة على العقول فلا تدرك الحق المبين الواضح الذي قامت فيه الدلائل على قوته القاهرة.
ويجادلون في اللَّه بأوهام توهموها؛ ولذا بين سبحانه وتعالى أن دعوة اللَّه هي الحق ودعوة أندادهم هي الباطلة، فقال تعالى:
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (١٤)