والرسل، وهو تحديد للتوكل الذي يجب أن يكون حال المؤمن لَا يفارقه؛ لأنه التوكل على اللَّه مع اتخاذ الأسباب عبادة.
* * *
محاولة الإخراج
بعد أن كلَّت بهم الحجة ضاق صدرهم، فانتقلوا من الجدل الباطل إلى الإخراج من أرضهم.
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤)
* * *
لا يلجأ أحد إلى القوة إلا إذا كَلَّ به الدليل، وأحس بأن ما يسوقه من قول يحسبه حجة انهيار أمام قوة الحق؛ ولأن أتباع الرسل دائما يكونون قلة وأكثرهم ضعفاء يستهين بهم المشركون؛ لأنهم أعز نفرا، وأشد بأسا، وأكثر تعنتا؛ ولذا قال اللَّه تعالى:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) انحصر كلامهم في أن الرسل والمؤمنين يكونون بين أحد أمرين: الإخراج من أرضهم، أو أن يعودوا في ملتهم في عبادة الأوثان، وهنا أمران مهمان لابد من الإشارة إليهما.
أولهما: القسم، فمهما هددوا به الرسل، وقد أقسموا (لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا) والقسم دُلَّ عليه باللام الموطئة للقسم ونون التوكيد الثقيلة، وهي بالنسبة لهم أوضح؛ لأنهم يملكون أعمالهم وأنفسهم فكيف يكون القسم بالنسبة للرسل، كأنهم يقسمون على الرسل والمعنى أنهم أخذوا قاسمين على أمرين لَا بد من تحقق أحدهما، وهو لنخرجنكم أو لتعودون، ونحن نقسم عليكم بذلك.