فقال تعالت كلماته: (وَبِئْسَ الْقَرَارُ)، أي بئس المقر الدائم، فالقرار مصدر أريد به المكان، فالذم للمكان، أو الذم لذات القرار في جهنم، وهو الحال التي انتهوا إليها.
وقد ذكر اللَّه تعالى أشد الكفر الذي بدلوا به نعمة اللَّه تعالى، وهو اتخاذ الأنداد شركاء له في العبادة فقال تعالى:
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠)
الواو عاطفة على (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا)، فقد بدلوا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وجعلوا للَّه أندادا، وجعل الله سبحانه وتعالى الأصل، وهو تبديل نعمه التي أنعم اللَّه بها نعمة تجزى، فجعلوها كفرا هو الأصل لكل مآثمهم، ونتيجة عقوبته؛ وذلك لأن الانغماس في الأهواء والاستطالة بها سبب الشر ونسيان اللَّه تعالى، ومن نسي الله تعالى كان منه الانحراف الفكري والاعتقادي، والانغماس في الشهوات.
(وَجَعَلُوا) معناها اتخذوا (لِلَّهِ أَنْدَادًا)، وأنداد جمع ند، رهو المماثل، وهذه الأوثان بالبذاهة ليست أندادا مماثلة لله جل جلاله، ولكنهم أتخذوها أندادا بأوهامهم وأهوائهم وفساد تفكيرهم؛ إذ كيف تكون الأحجار التي لَا تسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع أندادا لله، ولكنهم جعلوها كذلك.
وقوله تعالى (لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) فيها قراءتان: إحداهما بضم الياء والثانية بفتحها، والأولى قراءة كثرة القراء، والثانية قراءة من دونهم عددا وهما متواترتان، ونحن نعدهما كلتيهما قرآنا لَا ريب فيه، ويكون المعنيان صحيحين ما داما غير متعارضين، ولا يمكن أن يكون ذلك في قراءتين متواترتين.
قالمعنى ليضلوا عن سبيل الله تالعى بذلك الجهل الذي جعلوا فيه الأحجار أندادا للَّه تعالى، فإنه ذاته هلاك، وعاقبته ضلال، إذ العاقية دائما من جنس مؤثراتها، والنتيجة من دائما من جنس مقدماتها.


الصفحة التالية
Icon