بسبب مقاومتكم للرسالة، وتذلوا للحق، والذلة للحق هي العزة، وذلك إذا كان يرجى الإيمان في ذرياتكم، وإما أن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر، كما أخذ عادًا وثمود، وآل مدين، ومن قبلهم قوم نوح، ثم كما أخذ فرعون ذي الأوتاد، وسائر الذين طغوا في البلاد.
وإذا كان قد تركهم أمدا، فلأنه سبحانه قد قرر ذلك في علمه المكنون.
ولذا قال تعالى:
(مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٥)
وقد عبر سبحانه وتعالى هناب (أَجَلَهَا) للإشارة إلى أن الكتاب والأجل بمعنى واحد، والتعبير في الأولى بالكتاب للإشارة إلى أنه مكتوب مسجل مكنون معلوم عند اللَّه تعالى، وعبر في الثانية بـ (أجل) للإشارة إلى أن له ابتداء وانتهاء، لَا تسبق الأمة أجلها وإن طغت وبغت، ولا تستأخره، أي لَا تطلب تأخيره، ولو طلبت ما أجيبت؛ ولذا عبر في الأولى بـ (تسبق)، وفي الثانية بـ (تستأخر)، فمهما طغت لا تسبق أجلها، ومهما طلبت لَا يؤخر أجلها، وفي التعبير بقوله تعالى: (وَمَا يَسْتَأخِرونَ) إشارة إلى أن العاقبة ليست محمودة لهم، فمن شأنها أنهم يطلبون تأخيرها، ولكن مهما يطلبوا لن تؤخر، بل إنها نازلة في وقتها لَا محالة، وقد كانت الهجرة في ميقاتها، وكانت الحرب الدائرة عليهم حتى كان أمر اللَّه تعالى، وكان قدرا مقدورا، ولقد ذكر اللَّه بعض شر ما قالوا فقال:
(وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦)
هذه صورة من طغيانهم، طغت الأوثان على تفكيرهم، حتى حسبوا من يدعو إلى التوحيد مجنونا، وأكدوا جنونه وقالوا مخاطبين النبي - ﷺ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكرُ) النداء للبعيد، لكبر الدعوى التي يدعونها، وهي جنون النبي - ﷺ -، و (الذِّكرُ)، أي المذكر لهم ببطلان عبادة الأوثان، وأنها أحجار لا تضر ولا تنفع، وتسميته بالذكر من اللَّه تعالى لَا منهم؛ لأنهم لو علموه ذكرا ما أنكروه، والجملة كيفما كان أمرهم ساقوها متهكمين لاذعين بالقول، كما حكى اللَّه تعالى عن الملأ من آل فرعون: (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكمْ