أضاف سبحانه وتعالى القرآن العظيم إلى الذات العلية المقدسة فاستفاد بهذه الإضافة شرفا إضافيا فوق شرفه الذاتي الذي جعله اللَّه تعالى كذلك، واستفاد بهذه الإضافة أيضا أنه نزله بالحق الذي وعد به وقال: (مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ)، فما نزله إلا بالحق والأمر الثابت، وهو أنه باق ما دامت الشريعة والرسالة باقيتين، وإنهما لباقيتان.
وقد ذكرنا في مواضع كثيرة أن معجزة القرآن من نوع الكلام؛ لأنه ليس حادثة تنتهي بانتهاء زمانها، بل هو كتاب محفوظ قائم تقرأه الأجيال، ويتحداها جميعا، ولقد روينا من قبل قول النبي - ﷺ -: " ما من نبي إلا أوتي ما مثله آمن عليه البشر، وكان الذي أوتيته وحيا، وإني لأرجو أن اكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ".
وقد تعهد اللَّه العلي الكبير بحفظه ليخاطب الأجيال إلى يوم القيامة، فقال:
(وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) أضاف الحفظ إليه سبحانه، فكان ذلك تمكينا وتوكيدًا.
وقد حفظه اللَّه تعالى كما وعد من التغيير والتبديل والتحريف والتصحيف فأوجب حفظه مرتلا، كما قال تعالى: (.. ، وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)،
وقال تعالى: (... وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا)، وقد علم النبي - ﷺ - صحابته ترتيله، وعلموه من بعدهم، واقتضى ذلك أن يعتمد في حفظ القرآن على الصدور، ولا يكون الاعتماد على السطور وحدها؛ لأنه يمكن فيها التغيير والتبديل، والصدور تمنع ذلك، ولا تزال تطلع على طائفة من اليهود، تريد أن تجعله كغيره من الكتب، فيبين حفظةُ القرآن الكريم إفساد فعلهم الدنيء. وحفظت شريعته من التغيير والتبديل، فهي قائمة وإن حاول بعض المنافقين الذين يدهنون للحكام تحريفها عن مواضعها بتحليل ما حرم اللَّه، واللَّه من ورائهم محيط.
* * *


الصفحة التالية
Icon