ولم يقل سمكا؛ لأن في البحر ما ليس بسمك، حيوانات تشبه حيوانات البحر، والظاهر أنها حلال وفيها ضخم يكفي الألوف، كالحيوان البحري المسمى الترسة، وكالحوت وفرس البحر، وغير ذلك، وكلها لحم طري.
وقد وصف القرآن اللحم الذي يؤخذ من البحر بأنه لحم طري؛ لأنه فعلا طري، وعظمه قليل، ولا يتخلل أجزاء جسمه، بل هو في موضع معين والذي يتخلل جسمه شيء صغير يسميه العامة " سفا "، ويقول الزمخشري في وصفه بأنه طري للإشارة إلى أنه سريع العفن، وأنه ضار إذا تعفن، وفي ذلك نظر، فإنه إذا وضع الملح عليه لم يكن ضارا في تعفنه، وهو المتفسخ منه، وقد أنكره أطباء عصرنا وزماننا ثم أباحوه بل استحسنوه، وقرروا أن فيه سرا طبيا، وإن لم يعرفوه.
وحرم التفسخ الحنفية؛ لأنه ضار، وقد علمت ما فيه.
و (اللام) في قوله تعالى: (لِتَأْكُلُوا) هي لام الغاية أي ذلَّلَهُ وسخره لتأكلوا منه لحما بعد صيده، وإنضاجه، وفيه مواد غذائية كبيرة، مملوءة بالقشور، وغيرها.
وإذا كان ذلك الطعام فيه منفعة مرئية طيبة فالبحر وعاء للجواهر المختلفة، ولذا قال: (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا) وهي ما يسمونه بالأحجار الكريمة من لآلئ، وزمرد، وغيرهما مما يتحلى به النساء وبعض المرفهين من الرجال، وإن لم يتشبهوا بالنساء.
وتوهم بعض المفسرين أن التحلي بالجواهر حرام، وقاسوه على التحلي بالذهب، ولكن الثابت في الآثار أن التحريم مقصور على الذهب على أنه روي أن بعض الصحابة قال: إنه لَا تحريم، ولكن قالوا: إن ذلك من شواذ الأقوال ولقد ذكر الشوكاني في " نيل الأوطار " أن هناك عشرين من الصحابة لم يحرموا الذهب على الرجال، ولكن لم يذكر من هم ولم يذكر من أسند هذا القول إلى النبي - ﷺ -.


الصفحة التالية
Icon