والأساطير جمع أسطورة كما قال المبرد، والأسطورة هي الأحاديث التي لا يربطها فكر، ولا أصل لها وتقال للتسلية، أو هو الأخبار التي تجيء على ألسنة الحيوان، وقالوا في السيرة: إن النضر بن الحارث كان في فارس، فعلم ما في كتاب كليلة ودمنة، فقال: كلام محمد - ﷺ - هو كهذه أساطير الأولين: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥).
وقوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ) فيه (قيل) مبني للمجهول فمن هو الفاعل الذي جهل وحذف؛ يصح أن يكون القائل النبي - ﷺ - أو من معه، وكأنه يتحداهم، ويدعوهم إلى التأمل، وإدراك معانيه ووجوه البيان الذي هو فوق البشر، ويوجه أنظارهم، ولكن قلوبهم معرضة مستكبرة، والاستكبار كما ذكرنا يسد مسالك الإدراك، فيكون العقل غافلا عن إدراك الحق، ولذا يجيبون (أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)، أي أحاديثهم التي لَا أصل لها ولا واقع يحققها وكأنهم نظروا إلى القصص الحكيم في القرآن، ولم يصفوه بوصفه، بل قالوا ما قالوا منصرفين عن الحق، غير مدركين لموضع العبر فيه، ولم ينظروا إلى ما فيه من دعوة إلى التوحيد، وبطلان الشرك، وما فيه من أحكام شرعية تصلحهم في دنياهم وآخرتهم.
هذا على أن الفاعل المحذوف هو النبي - ﷺ -، ومن معه، ويكون قوله تعالى (مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ) المراد به القرآن الحكيم، والاستفهام هنا على حقيقته ليحملهم على التفكر والتدبر.
ويصح أن يكون من الكفار بعضهم لبعض، وكأنهم يتساءلون عن حقيقة ما جاء به محمد - ﷺ - في نظرهم، وما يمكن أن يردوا به على المصدقين، أو ما يمكن أن يشككوا فيه المؤمنين به، ويصدوا به الذين لم يؤمنوا عن أن يدخلوا فيه ويكون تعبيرهم (مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ) من قبيل التهكم بالقرآن، ومن نزل عليه، إذ هم في ظاهر حالهم لَا يؤمنون بالقرآن ولا يصدقون أنه نزل من اللَّه تعالى على قلب محمد - ﷺ -


الصفحة التالية
Icon