قال تعالى:
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ... (١)
(سبحان):
اسم في معنى المصدر، وهو غير متصرف فلا تجري عليه وجوه الإعراب وليس له فعل، وقد يعده بعض العلماء مصدرا من سبح يسبح تسبيحا وسبحانا، ومعنى هذه اللغة تنزيه اللَّه تعالى وتقديسه وبراءته من كل نقص لَا يليق بالذات العلية المكرمة، وقد روي أن طلحة بن عبيد اللَّه أحد العشرة المبشرين بالجنة سأل رسول اللَّه - ﷺ - ما معنى سبحان اللَّه فقال: " تنزيه الله من كل سوء "، وصدرت الآية أو السورة بالتسبيح وتتزيه اللَّه تعالى عن كل عيب؛ لأنه سيكون فيها إسراء ومعراج، واتجاه إلى اللَّه واستشراف بالملأ الأعلى فكان لَا بد من الابتداء بما يدل على التنزيه عن التجسيم والأغراض التي لَا تليق بذاته الكريمة، و (سبحان) منصوبة على أنها مفعول مطلق؛ لأنه في معنى المصدر أو مصدر كما ذكر.
وأسرى: أي سار ليلا، فالإسراء لَا يكون إلا بالليل، وذكر (ليلا) للتبعيض فكان التنكير للدلالة على البعضية، فالإسراء كان في بعض الليل لَا في الليل كله، فما استغرق الليل كله، بل كان في بعض، وكان ذكر ليلا للإشارة إلى أنه حين يكون السير ليس سهلا، إذ إن الانتقال إلى مكان بعيد لَا يكون ليلا، بل يكون نهارا، ولا يكون بعض الليل بل يكون بعض النهار، فذكر " ليلا " اللدلالة على موضع الغرابة، أنه كان بأقصى السرعة، وكان ليلا.
وذكر " عبده " في قوله تعالى (أَسْرَى بِعَبْدِهِ)، للإشارة إلى قرب من نبيه فقد خلص له، ولم يكن بينه وبينه حجاب إلا العبودية، وأضافه إليه سبحانه لمعنى الاختصاص وأنه صار خالصا للَّه سبحانه وتعالى، وفي ذلك إشارة إلى معنى دعائه - ﷺ -: " إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي " فقال له ربه: أنت عبدي، أي أنت لي خالصا.
وقد عين ابتداء السير، وانتاءه فقال سبحانه: (مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا) فالابتداء من المسجد الحرام لَا من مكة كلها، وصحت الرواية