..............................
_________
= قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي ".
وفى رواية البخاري في كتاب التوحيد أنه بعد أن راجع به بمشورة موسى عليه السلام، وجاء في مراجعة الخامسة أنه قال لربه: " يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا، فَقَالَ الجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُهُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الكِتَابِ، وَهِيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ " (البداية والنهاية جـ ٣ والتفسير لابن كثير أول سورة الإسراء).
وإنه من المتفق عليه بين العلماء أن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم أَمَّ الأنبياء جميعا، وعلى مقتضى الذين قالوا إن الإسراء كان بالروح تكون الإمامة روحية ثبتت بالرؤيا الصالحة، وكذلك يرى الذين قالوا إن المعراج كان روحيا.
ولكن من الرواة ما يدل سياق روايته على أن صلاة النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم بالأنبياء إماما كان مقدمه إلى المسجد الأقصى، ومن الرواة ما يدل سياق الرواية على أن الإمامة كانت وهو يعرج إلى السماوات العلا.
واختار ابن كثير في تاريخه أن إمامته للأنبياء كانت بعد أن نزل من العروج، ويقول في ذلك:
" وهبط رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إلى بيت المقدس، والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريما له وتعظيما، عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة، كما هي عادة الوافدين، لَا يجتمعون بأحد قبل الذين طلبوه إليه، ولهذا كان كلما سأل على واحد منهم يقول له جبريل: هذا فلان فسلم عليه، فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده ما احتاج إلى تعرفه بهم مرة ثانية، ومما يدل على ذلك أنه قال - ﷺ -: " فلما حانت الصلاة أمَمْتُهم، ولم يجئ وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر، فتقدمهم إماما بهم عن أمر جبريل فيما يرويه عن ربه عز وجل) (البداية والنهاية جـ ٣، ص ١٣).
وإن هذا الكلام يدل على أن إمامة النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم للأنبياء كانت بعد أن تنزل من الأفق الأعلى، وإن المعراج كما انتهينا كان بالروح، وكانا رؤية صادقة.
هذه قصة الإسراء والمعراج، كما نص عليها في القرآن، وكما جاءت بها السنة الصحيحة، وقد ذكرناها بشيء من الإطناب، لكثرة الكلام حولها، ولاختلاف الروايات، فكان لَا بد من أن نصفي القول فيها.
وخصوصا أنها وانشقاق القمر أعظم خوارق للعادات الحسية التي كانت في حياة النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم ومع ذلك لم يتحد بها كما تحدى بالقرآن الكردم؛ لأن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إنما تحدى بما يتناسب مع خلود شريعته، ودوام رسالته وهو ما يبقى مخاطبا الأجيال كلها إلى يوم الدين، وهو القرآن الكريم.


الصفحة التالية
Icon