الأمر الثاني: أن علوهم فيه اعتداء فاجر فاعتداؤهم بقتل الأنبياء وأكلهم الربا والسحت وأن يقتل بعضهم بعضا، ويلاحظ أنه ذكر الفساد مرتين، ولم يذكر عدد العلو لأنه لَا عدد له إن وجدت أسبابه.
ووصف اللَّه تعالى علوهم بأنه يكون علوا كبيرا؛ وذلك لأنه يكون على أيدي أنبياء، وسرعان ما تعود إليهم نفوسهم الآثمة فيقتلون ما أعلاهم به الأنبياء إلى فساد وانحراف، ألم تروه بعد أن أنقذهم اللَّه تعالى من فرعون، وأغرقه وملأه رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم (... قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ...)، وعبدوا العجل في غيبة موسى وقد ذهب على موعد من ربه.
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥)
أولاهما: هي المرة الأولى التي يفسدون فيها، وأكد اللَّه تعالى الإفساد فيها في ضمن تأكيد الإفساد مرتين.
و (وَعْدُ) معناها - ميعاد - وعبر سبحانه وتعالى بوعد دون التعبير بميعاد؛ لأن ميعاد اسم للزمن، ويتضمن الوعد؛ وذلك لأن المصدر فيه إيذان بتوكيد ما وعدهم اللَّه به، وقد قرن سبحانه وتعالى فساد المرة الأولى ببعث الجيوش المخربة الهادمة أو المذلة لهم أو المذهبة لاستقلالهم.
وقد جعل سبحانه (بَعَثْنَا) جواب شرط لقوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا) وهي المرة الأولى للفساد، وهذه القضية الشرطية تفيد أن الفساد في الأمم يتردى إلى أن تكون نهبا للمغيرين عليهم، وأن الحصن الحصين لمنع غارات المغيرين هو استقامة الأمة في ذات نفسها وإقامة العدالة والحكم بالأمانة والعدل، وأما فسادها فإنه يؤدي إلى الانهيار وأن تكون طُعْمة للمغيرين يجدون فيها مغانم يغنمونها.


الصفحة التالية
Icon