ولنتكلم في استخراج هذه الحقائق من نصوص الآية.
الحقيقة الأولى:
(مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) الفاء هنا مترتبة على ما ذكر قبلها، ذلك أنه إذا كان الحساب بكتاب منشور لَا يغادر صغيرة ولا كبيرة من أعمال الدنيا، إنه من يهتدي فهدايته لنفسه فلا يعذب، وينال الجزاء من عند اللَّه جنات تجري من تحتها الأنهار، ورضوان من اللَّه أكبر، ومن سلك طريق الضلالة وكتبت عليه دونت في كتابه فإن عاقبة ضلاله تكون على نفسه جزاء لما قدمت يداه من عذاب عسير، ولا ينظر اللَّه إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب مقيم دائم، لهم جهنم خالدين فيها أبدا بما كانوا يكسبون.
الحقيقة الثانية:
هي كما أشرنا ما دل عليه بقوله تعالى: (وَلا تَزِر وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، أي لا يحمل إنسان وزر غيره، و (وَازِرَةٌ) وصف لنفس، أي لَا تحمل نفس وازرة إثم نفس أخرى، وعبر سبحانه عن حمل الوزر بالوزر، فقال: (وَلا تَزِرُ) لأن الوزر سبب حمله، فأطلق السبب وأريد المسبب، ألا يقال كيف ذلك واللَّه تعالى يقول: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)، ونقول في الجواب عن ذلك، إنما يحملون أثقال غيرهم إذا كانوا سببا فيها كالذين يصدون عن سبيل الله يحملون أثقال من صدوهم؛ لأن نوعا من السببية في كفرهم بصدهم عن سبيل اللَّه وضلالهم.
ويلاحظ في النص السامي أمران:
الأمر الأول: قوله تعالى: (فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) أي وزر ضلاله عليها.
الأمر الثاني: أنه سبحانه يقول: (فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) فذكر هنا القصر والاختصاص، للإشارة إلى أن الضلال لهم وحدهم، فلا يجديهم أن يقولوا (إِنَّا


الصفحة التالية
Icon