وكان بعض أباطرة روما يبالغون في الاضطهاد حتى أن نيرون إمبراطور روما كان يجعل جلودهم تطلى بالقار ويجعل منهم مشاعل إنسانية تسير في موكبه، ازدراء لهم، ومبالغة في إهانتهم، فكان يفر منهم من يفر إلى الكهوف والمغارات فرارا بدينهم وبنفسهم.
وقد جاءت عبارات ابن كثير بما يفيد أنهم من اليهود لَا من النصارى، وحجته في ذلك أن اليهود هم الذين سألوا النبي - ﷺ - عن الروح وعن أهل الكهف، وعن ذي القرنين، وأن ذلك يدل على أن وقائع قصة أهل الكهف كانت قبل النصرانية لَا بعدها.
ونقول في الجواب عن ذلك:
أولا - إن التوراة ليس فيها ذكر لأهل الكهف، ولا من كان محيطا بهم.
وثانيا - أن أخبار أهل الكهف مذكورة في شهداء النصارى وفي كتبهم ككتاب " الكنز الثمين ".
وثالثا - أن ابن كثير نفسه ذكر أنه في عهد ملوك الرومان وهو دقلديانوس، فقد جاء فيه ما نصه: " لقد ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم، وأنهم خرجوا يوما في بعض أعياد قومهم، وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد، وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت، ويذبحون لها، وكان لهم ملك جبار عنيد، اسمه دقلديانوس وكان يأمر الناس بذلك، ويحثهم عليه، ويدعوهم إليه، فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك، وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم، ونظروا إلى ما يصنع دومهم بعين بصيرتهم، وعرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلا للَّه الذي خلق السماوات والأرض، فجعل كل واحد بتخلص من قومه، وينحاز منهم، ويتبرز عنهم ناحية، فكان أول من جلس منهم أحدهم، جلس تحت ظل شجرة، فجاء الآخر فجلس إليها عنده، وجاء الآخر فجلس، وجاء الآخر، والآخر، ولا يعرف واحد منهم الآخر، وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإيمان.... ".


الصفحة التالية
Icon