الأخلاق، والابتعاد عن محارم اللَّه تعالى، وإطاعة أوامره، ففيهم فتوة الجسم وفتوة الإيمان، والسلوك القويم، وإن الاستقامة تسير بالمكلف في الخط المستقيم.
ولذا قال تعالى: (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) ذلك أنهم سلكوا طريق الحق، وكلما وجدوا صعوبة في اعتناق الحق في وسط الوثنية رأوا ما هداهم اللَّه تعالى إليه، وما عليه غيرهم من عبادة الأوثان، فما اندغموا فيهم، بل أصروا إصرارا، فزادتهم المقارنة بين ما هم عليه وهدوا إليه، وما عليه الوثنيون من عبادة الأحجار، فكلما وازنوا ازدادوا إيمانا وكلما عُوِّقوا وفُتنوا صبروا، زادهم اللَّه قوة في دينهم، وإيمانا في صدورهم؛ ولهذا قال سبحانه: (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، أي بسبب ما سلكوه وأصروا عليه، ومعاناتهم من الفتنة ما عانوا زدناهم هدى، لأن من دخل مكان النور ازدادت الأمور له وضوحا، وازداد ضلال الضالين انكشافا، فكانت الهداية على بينة، وازداد بها علما ووثوقا وجاهروا بالحق، ورضوا بترك الأهل وترك العمران والإقامة في الكهوف والمغاور.
وإن اللَّه سبحانه وتعالى ثبَّت قلوبهم وجعلهم يقفون أمام جبابرة الأرض؛ ولذا قال سبحانه:
(وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (١٤)
أي زدناهم هدى، وثبَّتناهم وربطنا على قلوبهم إذ قاموا، أي وقت أن قاموا مجاهرين بإيمانهم مجابهين طاغية من طواغيت الدنيا، (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا) قالوا للطاغية لست ربنا، ولا حَجَرُك إلهنا، إنما ربنا الذي خلقنا وكوننا عقولا ونفوسا ومدارك، وهو رب هذا الوجود كله، (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، (لَن نَّدْعُوَ)، أي لن نعبد إلها غيره؛ لأنه لَا إله غيره، هو الواحد الأحد الحي القيوم، ونراهم بهذا يربطون بين الخلق والتكوين والربوبية والعبادة، فالخالق هو المعبود، ولم يكونوا كالعرب يؤمنون بأن اللَّه خالق السماوات والأرض ولكن يعبدون معه أحجارا وأوثانا، أما هؤلاء الفتية، فهم يقولون جازمين