لن ندعو من دونه إلها، أي لن نعبد غيره إلها قط فلا نقر بالعبودية لغيره، ويفرضون أنه وقع منهم ذلك، فيقولون مؤكدين بما يشبه القسم: (لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، أي قولا شططا، والشطط الإفراط في الظلم والإمعان فيه، من قولهم شطَّ في القول إذا بعد عن حد العقول. وهنا ملاحظتان بيانيتان:
الملاحظة الأولى - أن قوله تعالى: (وَرَبَطْنَا) تدل على قوة ما أودعهم اللَّه تعالى من إيمان لَا يتزعزع فقد شبه قلوبهم بالحقبة الممتلئة إيمانا، وقد ربط عليها رباطا محكما كالوكاد (١) يشد عليهم فلا تضطرب أمام جبار كائنا من كان، لأنه عامر بالإيمان لَا يضطرب.
الملاحظة الثانية - أنهم أكدوا قولهم، وأصروا على إيمانهم بقولهم: (لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، فإن هذا الكلام يشير إلى أمرين:
الأمر الأول - تأكيد القول باللام الموطئة للقسم وقد الدالة على التحقق.
الأمر الثاني - أنهم أكدوا نفي الألوهية عن غير اللَّه سبحانه وتعالى نفيا مؤكدا، فقالوا: (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا).
وأنهم لم يكتفوا بمجابهة الجبار بعقيدتهم، بل ذكروا بطلان عقيدة غيرهم فقالوا مبطلين الشرك:
________
(١) الوكاد: الوثاق. لسان العرب - وكد.
(هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (١٥)
(هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا)، الإشارة إلى الذين عاصروهم ممن كانوا على دين الجبابرة في عصرهم الذين يعبدون التماثيل ويعددون الآلهة بتعدد التماثيل، فيقولون إله الحب، وآلهة العدالة، وغير ذلك من أسماء سموها ما أنزل اللَّه تعالى بها من سلطان، وذكروا قومهم للإشارة إلى ما يربطهم بهم من صلات الجوار والنسب


الصفحة التالية
Icon