هذه صلة بعث أحدهم بالورق بالمدة التي لبثوها وتناقشوا حولها، وقال بعض المفسرين: إن بعث أحدهم بالورق له صلة بالأمر الذي كانوا يناقشون فيه، إذ كان سبيلا لفحص مدة الزمان وموقته عن طريق النقود المضروب عليها صورة الملك الذي ضربت في عهده، بدليل الفاء التي تفيد ترتب ما بعدها على ما قبلها، وعلى هذا الرأي لَا تكون الفاء للإفصاح، إنما تكون لمعنى السببية.
بعثوا أحدهم ليبحث لهم عن غذاء يشتريه بهذا الورق الذي أعطوه ولينظر في غذاء طيب أزكى وأنمى لهم؛ ولذا قال تعالى: (فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا)، أي ليتخير ما هو أزكى نماء وأطيب طعاما، والفاء عاطفة، وكذلك الفاء في قوله تعالى: (فَلْيَأتكُم بِرِزْقٍ مِّنْه) والرزق القدر الذي يتبلغون به أو يكفيهم، وقوله تعالى: (أَيُّهَا) الإشارة إلى المدينة، والمعنى أي شيء في المدينة (أَزْكَى طَعَامًا)، وأكثر مواد زكية نامية.
وإنه يتعرف أطيب الأطعمة، ويأتي بمقدار منها، يكون فيه سد الرمق، ويكون طيبا، (وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)، أي ليجتهد في أن يتلطف في القول، ولا يغلظ في المساومة حتى لَا تعرفوا، أو تفضحوا؛ ولذا قالوا: (وَلا يُشعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)، أي لَا يأتي عملا من شأنه أن يجعلهم يشعرون بكم وقد فررتم خيفة من طغيانهم.
وقد عللوا عدم شعور أحد بهم بقولهم:
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (٢٠)
هذه الجملة السامية مفصولة في البيان عن السابقة؛ لأنها في مقام التعليل، والتعليل بين جملتين من أسباب الفصل البياني بينهما، وإلا فهما منفصلتان في المعنى، إذ العلة متصلة بالمعلول، (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ)، أي يطلعوا عليكم مستظهرين عليكم مستعلين بما معهم من قوة الحاكم الغاشم وجند وغيرهم،