أمران فيهما نقض لنظام الأسباب والمسببات يدل على أن الوجود خلق بإرادة مختار، وأن اللَّه تعالى فعال لما يريد:
الأمر الأول: ولادة عاقر وزوجها بلغ من الكبر عتيا.
والأمر الثاني: ولادة ولد من غير أب وإذا كانت الأولى فيها الولادة من أم غير صالحة للإنجاب، فالثانية ولادة من أم لم يثبت عدم صلاحيتها للإنجاب ولكن من غير أب مطلقا صالحا للإنجاب أو غير صالح.
(كهيعص).
قلنا في الحروف التي تبدأ بها بعض السور: إن معناها قد اختص به علم اللَّه تعالى، ولنا أن نتعرف الحكمة في ابتداء بعض السور بها، وأشرنا إلى أنها تنبه لإعجاز القرآن، وأنه مؤلف من الحروف التي يتألف منها كلامكم ومع ذلك عجزتم أن تأتوا بمثلها، وأنها تنبه الأذهان للاستماع، وقد كان المشركون تعاهدوا على ألا يسمعوا لهذا القرآن ويلغوا فيه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)، فإذا تليت عليهم تلك الحروف بغنِّها ومدها نبهتهم فيستمعون إليها، تهجم عليهم الآيات المفهومة المدركة، فيستمعون إليها راغمين غير مختارين وهي أسماء للسور، وذكر للكتاب.
(ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢)
(ذِكْرُ) خبر (كهيعص) وهذا يشير إلى أنها الكتاب أو بعضه، و (عَبْدَهُ) منصوبة بالرحمة؛ لأن الرحمة مصدر بمعنى المرة من الرَّحْم، ويصح أن يجعل مفعولا لـ (ذِكْرُ)، على أن تكون إضافة الذكر إلى الرحمة من إضافة المصدر لفاعله، وإنا نرى أن ذلك بعيد ويحتاج إلى تأويل، وما لَا تحتاج لتأويل أولى مما يحتاج لتأويل.
وإن ذلك الذكر لهذه الرحمة في وقت نادى ربه بها، ولذا قال تعالى:
(إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (٣)


الصفحة التالية
Icon