إلى (غُلامٌ) في قوله: (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) وهو يعود إلى الولد مع وجود هذه الأحوِال التي تجعله قريبا، و (هَيِّن)، أي سهل لين لَا يثير عجبا ولا استغرابا، و (هيِّنٌ) تشير إلى أنه لَا غرابة فيه، ثم ساق سبحانه بعد ذلك ما يدل على قربه، فقال سبحانه: (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)، وهذه مقدمة قياسية تزيل الغرابة وتبين أنه لَا غرابة على قدرة اللَّه تعالى، وتقديره هذه المقدمة هكذا.
وقد خلقتك من قبل هذا ولم تك شيئا؛ لأني خلقتك من عدم لَا بعد شيء، وإذا كان ذلك ممكنا وواقعا وقد وقع فبالأولى يكون الخلق من شيء، وإن كان من أب شيخ وأم عاقر فهما شيء، والخلق من شيء أقرب في الوجود من الخلق من عدم.
اطمأن زكريا الرسول إلى بشرى رب العالمين أو قوي اطمئنانه، أو زالت الغرابة من نفسه وبقي أن يوثق البشرَى:
(قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (١٠)
الآية هنا العلامة التي يعرف بها أن امرأته حملت، وأن الولادة آتية لا ريب، فإن الولد قرة عينه وإنه آت لَا محالة لوعد اللَّه تعالى به. وإن اللَّه لَا يخلف الميعاد (قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا)، وِقد قال تعالى في سورة آل عمران: (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (٤١).
وقد ذكر الأيام في سورة آل عمران، والليالي في سورة مريم؛ للدلالة على أن العلامة هي ألا يكلم الناس ثلاثة أيام بلياليها، وكان ذكر الليالي في هذه السورة لأنها مكية، وما كان العرب الأميون في مكة يعرفون الأيام إلا بالليالي، حيث يرون القمر فهو شهر الأميين، والأيام الثلاثة قد حبس اللَّه تعالى لسانه عن النطق، فما كان يتكلم إلا بالإشارة، كما قال تعالى في سورة آل عمران:
(... أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا...)، أي بالاشارة، وأوضح الإشارات الكتابة، وقوله تعالى: (سَوِيًّا) حال من ضمير (تُكَلِّمَ)، أي سوى الخلق سليم