(إِنَّمَا) أداة حصر، أي لست إلا رسول ربك، أي أنا مرسل من ربك الذي خلقك ويعلم حالت وطهارتك، وأنه اصطفاك من نساء العالمين؛ لتكوني موضع معجزته الكبيرة وهي خلق إنسان من غير أب، وقوله: (لأَهَبَ لَكِ) اللام متعلقة برسول أي رسالتي لأهب لك، لأكون أداة هبة اللَّه لك، أو طريق هبة اللَّه لك، فليس هو الذي يهب إنما يهب اللَّه تعالى، وهذا معنى القراءة الأخرى " ليهب لك " (١) بإسناد الهبة للَّه تعالى مباشرة، وعلى كلتا القراءتين الهبة من اللَّه تعالى العزيز الوهاب، والرسالة في قراءة " ليهب لك " موضوعها الرسالة وحدها.
وقوله تعالى: (غُلامًا زَكيًّا)، أي غلاما طاهرا ناميا في جسمه ونفسه وروحه، وكل ما يتصل بالنمو الإنساني الكامل.
اعتراها ما اعترى كافلها زكريا من استيلاء الأسباب والمسببات العادية فكانت مستغربة، وحكى اللَّه تعالى عنها أنها قالت:
________
(١) قراءة (ليهب لك): أبو عمرو، وروح - وصوب ابن الجزري في النشر يعقوب بكماله - وورش، وأبو نشيط عن قالون عن نافع، وقرأ الباقون (لأهب) بهمزة مفتوحة. راجع: الهمداني - غاية الاختصار - تحقيق د/ أشرف محمد فؤاد طلعت (٢/ ٥٦٣)، والنشر في القراءات العشر (٢/ ٣١٨).
(قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠)
(أَنَّى) بمعنى كيف وهي للاستغراب لتأثرها بنظرية الأسباب التي كانت سائدة، ولأن هذا هو النظام الذي كانت تعرفه ويعرفه الناس، وموضع الاستغراب أن يكون لها غلام ولم يكن أحد من الرجال قد مسها، أي خالطها مخالطة جنسية بزاوج شرعي، أي أنها لم تزف إلى رجل في الحلال، ولم تك بغيا أي امرأة مبغية مقصودة من الرجال، بل كانت عفيفة نزيهة طاهرة، وبغي: قال بعض الصرفيين: إنها على وزن " فعول " دخلها الإعلال بأن اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالتسكين فَعُلَّتْ وأدغمت الياء، وعندي أنها على وزن " فعيلة " بمعنى مفعول، ولم تلحقها التاء، وذلك مثل قتيل وجريح، والمرأة المتفحشة يقال لها بغي لأنها تُبتغَى من الرجال ويطلبونها.