كما قال في الولادة وصعوبتها (... وَوَضَعَتْهُ كرْهًا...)، وهو صعوبتها واحتمالها بعسر شديد، وهو في ذاته كره، ولكن الوالدة تتحمله لمحبة الولد وشغفها فيه.
وجذع النخلة عادة يكون يابسا سواء أكانت النخلة مثمرة أم كانت غير مثمرة، وسواء أكانت في أرض زراعية أم كانت غير زراعية، والنخل يكون في الأرض غير الزراعية، و " أل " للجنس كقولك: ادخل السوق واشتر شيئا، فليس ثمة سوق معينة، ولا تكون للعهد؛ لأنه لم تذكر من قبل شجرة، ولا يكون في الذهن شجرة معينة.
وقد كانت مريم العذراء البتول في كربين:
الكرب الأول: احتملته ورضيته بحكم الفطرة وهو كره الولادة كما ذكرنا.
والكرب الثاني: العار الذي زعمته ويستقبلها، فإنها البريئة الطاهرة تستقبل اتهاما وهي البريئة وذلك عبؤه على البريء ثقيل، ولذا قالت: (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا).
تنادي " ليت " الدالة على التمني، وكأنها تقول إنها تتمنى الموت، وتنادي أداة تمنى الموت قبل هذا، لأن ذلك وقت تمني الموت فرارا من عار الاتهام الظالم، وهي البريئة الطاهرة التي اصطفاها رب العالمين.
وأنها ما قالت الذي قالته تململا مما أراد رب العالمين لها من كرامة، وإنما كان ذلك استشعارًا من ضعفها وصعوبة الاحتمال، وإن كانت راضية بما قضى اللَّه وبما أمر، غير خالعة ربقة، ولا متمردة على طاعه، (وَكنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا)، المنسِيّ والنَسِيّ: الشيء المنسي، كذبح الشيء المذبوح، ونقص الشيء المنقوص، فالنسي الشيء الذي من شأنه أن ينسى؛ لأنه مهمل في ذاته، والمنسي بالفعل.
وقد قال الزمخشري في هذا الأمر الذي كانت عليه العذراء البتول - محللا الألفاظ - وهو إمام البلاغة: المنسي ما من شأنه أن ينسى ويطرح وينسى كخرقة الطامث ونحوها، كالذِّبح اسم ما شأنه أن يذبح، قال تعالى: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبحٍ