عَظِيمٍ) [الصافات] وعن يونس: العرب إذ ارتحلوا عن الدار قالوا: انظروا أنساءكم أي الشيء اليسير نحو العصا والقدح.
تمنت لو كانت شيئا تافها لَا يؤبه له من شأنه وحقه أن ينسى في العادة، وقد نسي وطرح فوجد فيه النسيان الذي هو من حقه، وذلك لما لحقها من فرط الحياء (أي الحال التي توجب الاستحياء) من الناس على حكم العادة البشرية لَا كراهة لحكم اللَّه، أو لشدة التكليف عليها إذ بهتوها، وهي عارفة ببراءة الساحة وبضد ما قرفت به، من اختصاص اللَّه إياها بغاية الإجلال والإكرام، لأنه مقام دحض (١) قلما تثبت فيه الأقدام: أن تعرف اغتباطك بأمر عظيم، وفضل باهر تستحق به المدح، ويستوجب التعظيم، ثم تراه عند الناس لجهلهم عيبا يعاب به، أو يعنف بسببه، أو لخوفها على الناس أن يعصوا اللَّه تعالى بسببها.
في هذا الكرب الشديد الذي لَا تمرد فيه كانت تحف بها مكارم اللَّه، وخوارق العادات.
(فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥)
________
(١) الدَّحْضُ: الزَّلَقُ، والإِدْحاضُ: الإِزْلاقُ. لسان العرب. دحض.
(فَنَادَاهَا) الفاء عاطفة، وهي تفيد الترتيب، وضمير الفاعل يعود على جبريل؛ لأنه المذكور، وهو روح اللَّه تعالى الذي أرسله الله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) وقالوا: (مِن تَحْتِهَا)، أنه كان قد جعله (مِن تَحْتِهَا) قابلا للغلام الطاهر عند نزوله كما تستقبل القابلة المولود، وذلك من كلاءة اللَّه تعالى وحمايته لها، إذ كانت معزولة عن النساء وهي عذراء ليس لها تجربة في الحمل والولادة من قبل، فكان من رعاية اللَّه تعالى أن يسخر لها روح القدس، ليكون القريب منها في هذه العزلة وهذا الانفراد عن المعاون والقريب، وقيل: إن ضمير الفاعل يعود على عيسى ويكون ذلك النداء خارقا للعادة ولكن نستبعد هذا، أولا: لأنه لم يكن هنا ذكر للغلام حتى يعود إليه، وثانيا: لأن اللَّه لم يذكره آية