حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، والمؤمنون ليسوا داخلين في هذه (الأَحْزَابُ)، وقد اختلفوا على نحو ما أشرنا، وصدق قول اللَّه تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ...)، فغير صراط اللَّه تعالى مثارات الشيطان ومنازله.
و (مِنْ) في قوله: (مِنْ بَيْنِهِمْ) قال كثير من المفسرين زائدة، ونحن لا نرى في القرآن حرفا زائدا، بل نقول إن (مِنْ) تؤدي معنى سليما فليس قولك " فاختلف الأحزاب بينهم "، كقول الله تعالى: (فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) إن (مِنْ) تدل على أن اختلاف الأحزاب صادر عنهم هم، ومن بينهم، فإن التناحر بين الأهواء والأوهام الضالة هو الذي صدر عنه الاختلاف من بينهم ومنِ مضطربهم، وقد حكم اللَّه تعالى بمآلهم في هذا الاختلاف فقال: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) " الفاء " لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فالهلاك في المشهود من أوهامهم وأهوائهم، والمشهد هو اسم مصدر بمعنى شهود يوم عظيم في أنه حساب وفيه العقاب، والجزاء بجهنم.
والمعنى الذي يظهر لنا، فهلاك شديد يوم الشهود العظيم، وهو يوم القيامة وقال: (لِّلَّذِينَ كفَرُوا) فأظهر في موضع الإضمار لإثبات سبب الهلاك، وهو الكفر والحجود، وتحكم الأوهام وسيطرة الفساد الفكري والضلال المبين.
وإن كانوا يُعرضون عن ذكر البعث والنشور، ولا يبصرون العواقب، ولا يتدبرون ما وراء، وإنهم في هذا اليوم المشهود يكونون أحدّ الناس سمعا وبصرا وإدراكا لما أنكروا من قبل، ولذا قال تعالى:
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٨)
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) لفظان يستعملان للتعجب في اللغة العربية، أو لأفعل التفضيل المستفهم به، أي ما أسمعهم وما أبصرهم، فهم حديدو السمع والبصر، والمعنى أن حالهم في قوة لسمعهم للحق وقوة بصرهم وإدراكهم للحق حال


الصفحة التالية
Icon