المتعجب منه المستغرب وليس ذلك بعجب على اللَّه ولا غريب عليه سبحانه؛ لأنه عليم بكل شيء، فليس شيء بغريب على علمه سبحانه، إنما الغرابة علينا، وهذا غير حالهم اليوم لأنهم اليوم في ضلال مبين واضح، أي حالهم يوم الشهود، فقد زالت الغفلة وزال الضلال، وزالت الأوهام التي أضلتهم، ولذا قال تعالى: (لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)، (الْيَوْمَ) المراد به الحياة الدنيا، فهم في ضلال في الحياة الدنيا بسبب الأهواء وتحكمها في مداركهم وأحاسيسهم، والأوهام وسيطرتها على عقولهم، ونقول: وضع الظاهر موضع الضمير، لإثبات أن السب في هذا الضلال هو ظلمهم لأنفسهم بعدم الإدراك الصحيح، وظلم العباد للنبيين، وفتنة المؤمنين، الاستدراك في قوله تعالى: (لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مّبِينٍ)؛ لبيان التفاوت بين حدة سمعهم وبصرهم التي توجب العجب، وحالهم في هذا اليوم في الدنيا التي كانوا فيها عمين عن الحق، ووقوعهم في الضلال المبين البين الواضح.
وإن اللَّه تعالى أمر نبيه الأمين أن ينذرهم بهذا اليوم المشهود؛ ولأنه يوم الحسرة عليهم؛ ولذا قال تعالى:
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٩)
(وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)، أي أنذرهم بهذا اليوم الذي يكون حسرة (إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ)، إذ تبين أمر اللَّه تعالى الذي قضاه، بأن قدر وجوده ونفذه، و (إِذْ) ظرف متعلق بالحسرة، أي أنه الحسرة لأنه قضي الأمر وجاء التنفيذ. والحسرة، لأنهم فرطوا في أمورهم ويقولون يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب اللَّه، والحسرة؛ لأنهم رأوا العذاب وعاينوه، والحسرة لأنهم أنكروه، وهم اليوم قد عاينوه، والحسرة لأنهم خسروا أنفسهم وكذّبوا بلقاء اللَّه.
وقد وصفهم اللَّه تعالى بوصفين أحدهما ذريعة الآخر:
الوصف الأول: أنهم في غفلة فقال تعالى: (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) الجملة حالية أي والحال أنهم في هذه الدنيا في غفلة، والتعبير بقوله: (فِي غَفْلَةٍ) يفيد أنهم قد