الوصف الثاني: أنه لَا يبصر وأنت تبصر، ومن يبصر أكمل مما لَا يبصر، فكيف تعبد هذا الذي ينقص عنك، وأنت خير وأفضل منه.
الوصف الثالث: أنه لَا يدفع عنه ضرا ولا يجلب له نفعا، وهذا قوله تعالى: (وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا)، أي لَا يدفع شيئا، ومجموع هذه الصفات السلبية تفيد أنه لَا يجلب له أي نفع؛ لأنه فاقد لصفات اللَّه التي يكون بها القدرة على وقد قال الزمخشري في ذلك: " انظر حين أراد أن ينصح أباه، ويعظه فيما كان متورطا فيه من الخطأ العظيم والارتكاب الشنيع الذي عصى فيه أمر العقلاء وانسلخ عن قضية التمييز من الغباوة التي ليس بعدها غباوة، كيف رتب الكلام معه في أحسن اتساق، وساقه أرشق مساق، مع استعمال المجاملة والرفق واللين والأدب الجميل والخلق الحسن منتصحا في ذلك بنصيحة ربه عز وعلا، حدث أبو هريرة قال: قال رسول اللَّه - ﷺ -: " أوحى الله إلى إبراهيم - عليه السلام - إنك خليلي، حَسِّنْ خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار، فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أظله تحت عرشي وأسكنه حظيرة القدس وأدنيه جِواري " (١).
وإنه بعد أن نبه إلى أن الأوثان تتقاصر عن مقام الألوهية، بل حتى الإنسانية، بل الحيوانية أخذ يوجهه إلى الحق الكامل، فقال في رفق أيضا كما ابتدأ أولا مُصَدِّرًا القول بخطاب المحبة الراجية.
________
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف، وجماعة من المفسرين، ورواه الطبراني في الأوسط، وفيه: مؤمل بن عبد الرحمن الثقفي، وهو ضعيف. مجمع الزوائد (٢٦٦٢١).
(يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣)
يقول العلماء التحلية قبل التخلية، بين أن الأوثان عاجزة في ذاتها عن جلب النفع ودفع الضرر، وذلك كافٍ للامتناع عن عبادتها، فإنما يعبد العاقل من هو أعلى منه قدرة وفهما وإدراكا، وهذه دونه في الخلق والتكوين، فمن يعبد؟! أخذ يبين له المعبود فقال بنداء المتوسل المتحبب: (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ)


الصفحة التالية
Icon