نادوا نداء الحسرة، وأشد الحسرة تكون عند الإحساس بالباطل عندما يكون العقاب عليه ولا يكون مناص منه، ينادون (يَا وَيْلَنَا) أي يا هلاكنا الذي كتب علينا أقْبِل فهذا وقتك، ومعنى نداءهم بهلاكهم الذي استحقوه هو أنه شعور. باستحقاقهم له، وإضافة الويل إليهم؛ لأنهم سببه، وقد استحقوه، وقرروا ذلك بصريح اللفظ بقول: (إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، أكدوا ظلمهم بـ (إن) (المؤكدة، وبـ " كنا " لأنها تدل على استمرار طلبهم، ووصفوا أنفسهم بالظلم، وكان ظلمهم من نواح كثيرة، فهم كفروا برسالة النبيين وجحدوها وعاندوهم، وآذوا المؤمنين، وكفروا بأنعم الله ولم يقوموا بحق شكرها، وهذا ظلم بيّن، وأشركوا في عبادتهم، وإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وعاثوا في الأرض فسادا، وأكلوا أموال الناس بالباطل وغير ذلك مما يجيء تباعا للكفر بالأنبياء.
وإنهم يستمرون على الشعور بالويل وندائه والإحساس بالظلم إلى الموت.
ولذا قال تعالى:
(فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (١٥)
الإشارة في (تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ) إلى (يَا وَيْلَنَا)، وسميت تلك دعوى يَدْعونها؛ لأنها بصيغتها تفيد نداء ويلهم كأنهم يقولون يا ويلنا ندعوك، الإشارة كما ذكرنا إلى قولهم يا ويلنا، وهي دعوى لأنها طلب لهم، والدعوى تطلب على طلب أمر من الأمور، وأكثر ما تكون أمام القضاء، فهي المطلب الحق تزعمه صاحبه، ويعتقد أنه حق، وسمي طلبهم دعوى مع أنه أقرب إلى الدعاء غير أنهم لَا يطلبونه ضارعين مبتهلين حتى يسمى دعاء، لأنهم مشركون، إنما يطلبونه لأنه استحقاق لهم بحكم ما ارتكبوه من ظلم، وقوله تعالى: (فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ) " الفاء " فاء الإفصاح، و (مَا زَالَت) تدل على استمرار هذه الدعوى وبقائها، واستمرارها يدل على استمرار التحسر والتوجع والشعور بالهلاك، أي أنهم استمروا على الشعور بالتحسر والبكاء على ما كان، وأشد ما يؤلم العاتي الظالم شعوره بعتوه ولقاء معتبه، وقد صرح الله تعالى في قرآنه العظيم بالنهاية لذلك البكاء المرير بقوله تعالت كلماته: (حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِين) والحصيد فعيل بمعنى مفعول وهو الزرع المحصود المقطوع