الذي جف عوده شيئا فشيئا حتى يصير حطاما لانقطاع سبب الحياة عنه، وهذا فيه تشبيه لحالهم بحال الزرع المحصود الملقى المقطوع عن أسباب الحياة، كما انقطعت أسباب الحياة عنهم، وهذا تصوير لحلال هلاكهم ونزول الويل الشديد بهم، وأكد حالهم بقوله تعالى: (خَامِدِينَ)، والوصفان كناية عن موتهم وهمودهم، وأصل الخمود من قولهم خمدت النار خمودا طفئ لهيبها، ومنه استعير خمدت الحمى، وكأن هناك تشبيها آخر بعد تشبيههم بالزرع المحصود، شبههم أيضا بالنار الذي أطفئ لهيبها، وفي ذلك إشارة إلى ما كانوا يشعلونه من إيذاء، وما يوقدون من حروب مفرقة تجمح فيها النفوس عن مواطن الاطمئنان، وليس هنا ثلاثة مفعولات لـ (جعلنا)، إنما هنا مفعولان فقط، و (خَامدِينَ) حال، وليست مفعولا ثالثا، وأضاف سبحانه وتعالى الفعل إليه بالصيغةَ التي تليق بعظمته (جَعَلْنَاهُمْ) إرهابا وإفزاعا، والإشارة بأن الذي يتولى هلاكهم هو الله جل جلاله، وتقدست ذاته وأفعاله.
* * *
الله خالق السماء والأرض وبه ثبت وجوده
(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (٢٠) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ