(إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ) بيان أن هذا التوحيد هو أمر من الله، ووحي من عنده، والعرب يعرفون الله تعالى بأنه الخالق الذي يلجأون إليه في شدائدهم، ولا يعرفون غيره إذا أحيط بهم، فهو الذي أمرهم بالتوحيد على لسان كل الرسل: (لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، الضمير " أنا " في محل رفع؛ ولذا جاء بضمير الرفع، وقوله تعالى (فَاعْبُدُونِ) " الفاء " تفيد أن ما بعدها مسبب على ما قبلها، فإذا كان لَا إله إلا هو فلا يعبد غيره، ولا يعد [قط] (١) عبدا لله تعالى إلا إذا عبده وحده، فالإشراك على أي صورة من صوره ليس فيه عبادة لله تعالى.
ولقد بين سبحانه وتعالى بطلان الذين يعبدون الأشخاص، كما بين بطلان عبادة الذين يعبدون الأوثان، فإن الجميع مشركون في العبادة، بيد أن الذين يعبدون الأشخاص يسرفون على أنفسهم فيدعون أنهم أبناء الله:
_________
(١) في النسخة المطبوعة هكذا [قد] ولعلَّ ما أثبته صوابا. (مصحح النسخة الإلكترونية).
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦)
قائل هذا بعض المشركين والنصارى منهم؛ لأن ذلك إشراك في العبادة لا مرية، وقالوا إن الله - تعالى عما يقولون - اتخذ المسيح ابنا له، كما قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ...).
وطائفة من العرب قيل إنهم من: خزاعة قالوا الملائكة بنات الله، ولقد أشار سبحانه إلى ذلك بقوله: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١).
وقوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) أي جعل له ولدا، وكلامهم ينبني عن احتياجه سبحانه إلى ولد؛ لأن الاتخاذ لَا يكون إلا عن حاجة، وقوله تعالى: (سُبْحَانَهُ) أي تنزه وتقدس عن ذلك (بَلْ) إضراب وردّ لقولهم، (عِبَادٌ مُكرَمُونَ)، أي كرمهم الله تعالى وهم عباده، فعيسى عبد لله، ولا يستنكف أن يكون عبدا، والملائكة المقربون لَا يستنكفون أن يكونوا عبيدا له.


الصفحة التالية
Icon