وقد ذكر سبحانه وتعالى حالهم فقال عز من قائل:
(لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)
وذكر سبحانه وتعالى هذا الوصف لهم، للإشارة إلى أنهم من الله بمنزلة من الطاعة، كمنزلة العبيد من مالكهم، لَا يسبقونه في أمر من أمور الشريعة أو الخلق والتكوين أو القول، بل هم تابعون خاضعون، ليس قول مع قوله سبحانه، فلا يتقدمون أمامه، وقالوا: إن (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) في مؤدى لَا يسبق قولهم قوله، أي لَا يقولون قولا، بل قولهم دائمًا مسبوق بإرادة الله سبحانه وتعالى، وليس لهم أن يتقدموا بأمر، ثم قال تعالى في بيان خضوعهم: (وَهُم بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وتقديم الجار والمجرور لإفادة الاختصاص، والمعنى بأمره وحده لَا بأمر غيره يعملون، وفي ذلك تعريض ببطلان ما يفعله المشركون إذ يفرضون لآلهتهم المزعومة مطالب يؤدونها، وذلك من أوهامهم.
ويبين سبحانه وتعالى أنهم في قبضة يده يعلم حالهمْ في حاضرهم وماضيهم فيقول سبحانه:
(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨)
ذكر الله تعالى أنهم في قبضته، وهو عالم بكل أحوالهم (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)، وهذا يكنى به عن حاضرهم، لأنه بين أيديهم يفعلونه ويدورون فيه تحت سلطان إرادته، وعلى مقتضى علمه، وجميع ما يفعلون وما يفكرون تحت عين الله وفى رقابته (وَمَا خَلْفَهُمْ) ويعلم سبحانه ما هو خلف أعمالهم، أي ما يجيء في المستقبل، فهو يعلم حالهم في حاضرهم وفي قابلهم الذي يخلف حاضرهم، فهم في سلطان الله تعالى مع تقريبهم وتفضيلهم وتكريمهم. وليس ذلك شأن من يتخذه ولدا، بل هو شأن من يكون من عباده.
(وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) أي لَا يشفعون لأحد إلا إذا كان مرتضى لله، ورضى الله أن يشفع كما قال تعالى: (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)