(بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠)
البغتة المفاجأة التي لَا تكون منتظرة، ويكون وقعها شديدا، والبَهْت المجيء الذي يكون فيه دهشة وتحير، قال تعالى: (... فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ...)، أي شدة وتحير، ويطلق البهت على الكذب الذي لَا أصل له، ويحير العقول المستقيمة، وتكون كل الظواهر مناقضة كما قال تعالى في رمي أم المؤمنين عائشة: (... هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ).
و (بَلْ) هنا للإضراب الانتقالي وتضمن الرد على طالبي ميعاد للوعد، وقد استبطأوه، والمعنى بل تأتيكم بغتة أي فجأة على غير ترقب وتوقع وانتظار منكم (فَتَبْهَتُهُمْ) أي تفاجئهم فتدهشهم وتحيرهم، وتحيط بهم (فَلا يَسْتَطِيعونَ رَدَّهَا) أي لا يستطيعون دفعها، بل إنها الواقعة التي لا مناص منها، ولا خلاص ولا انفكاك عنها، (وَلا هُمْ يُنظَرُونَ) لَا يمهلون، فلا يستطيعون تأجيلها فهي محدودة، بميقات معلوم عند الله سبحانه وتعالى.
كان النبي - ﷺ - إذا عرض عليهم الدعوة إلى التوحيد ردوها، وإذا مَرّ بهم استهزأوا ساخرين، وإذا رأوه استصغروه، وهو القوي، فواساه الله تعالى بذكر أن الاستهزاء شأن الكافرين، وهو دليل عجزهم، وإن استطالوا بألسنتهم وأفعالهم.
ولذا قال تعالى:
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (٤١)
أكد الله سبحانه وهو الصادق في كل قول، ولا يحتاج إلى توكيد قول، ولكنه أكد لأن الرسول - ﷺ - أحزنه أن يستهزئ ناس بنبيهم الذي جاء لهدايتهم، ولأن الوحدانية حق لَا يستهزأ منه، وعبادتهم الأوثان هي الجديرة بالاستهزاء والسخوية، فأكد سبحانه لمواساة النبي - ﷺ -، وليوقع في نفسه عليه الصلاة والسلام بأن دعوة الحق لَا يعارضها ناس فضلاء، ومن طبيعة الأخساء أن يهبطوا في خصومتهم إلى دركة الاستهزاء، فقال: (وَلَقَدِ استهْزِئَ بِرُسُل مِّن قَبْلِكَ) أكد سبحانه استهزاء السابقين بـ " اللام " و " قد "، ونكرت (رسل) لكثرتهم ومقامهم من الله، أي رسل