و (هَذَا) الإشارة إلى القرآن الذي يسمعون تلاوته، ويتحداهم أن يأتوا بمثله فيعجزون، ويتحدى الخليقة كلها أن تأتي بمثله فلا تستطيع.
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨).
والإشارة تتضمن كل ما فيه رأوه متلوا، وعلموه معجزا، وعاينوا آثاره في إيمان المؤمنين، وقد عرَّفه الله تعالى بأنه ذِكرٌ مبَارَك، أي مذكر بالعذاب والثواب، وفيه تذكير بالله تعالى إذا امتلأت القلوب به كان فيها ذكر دائم، وبه تطمئن القلوب، وتذهب الوساوس، ولا تضطرب، ولا تفزع ولا تهلع ولا تجزع، ووصفه سبحانه بأنه مُبَارَك، البركة: الخير الدائم المستمر الكثير الخيرات، ووصف القرآن بذلك أولا لأنه دائم بالخير والثمرات المرشدة ما دامت السماوات والأرض، وهو خالد بخلود خاتم النبيين، ولأنه قد اشتمل على كل شيء يتعلق بالمواعظ والهداية، ولأنه مشتمل على الشريعة الباقية إلى يوم القيامة.
وقد رأى العرب المدركون فيه كل ذلك، ولكن المعاندون لم يدركوه؛ لأنه طمس على قلوبهم ولقد قال تعالى من بعد: (أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ) " الفاء " ترتب الاستفهام الدال على استنكار الواقع وهو عدم الإيمان في الوقت الذي كان يجب الإيمان به، والفاء مقدم عن تأخير لأن الاستفهام له الصدارة، والتقدير؛ فأأنتم له منكرون، أي أنه يترتب على هذه الحقيقة الثابتة للقرآن، وهو مذكر ومبارك سؤالهم أأنتم له منكرون، وقلنا إن الاستفهام إنكاري لإنكار الواقع، فالثابت أنهم منكرون، وتلك جريمة عقلية وهو جحود بما قام الدليل عليه وإشواك، حيث قام الدليل على التوحيد، وإنكار لمعجزة القرآن حيث عجزوا عن الإتيان بمثله.
* * *
قصة إبراهيم
اختص هذا الجزء من قصة إبراهيم عليه السلام بمجابهته لقومه، وحطمه أوثانهم ويظهر أنه كان في شبابه الباكر أو في أول بعثته، ولا ندري على وجه التحديد كم كان سنه.


الصفحة التالية
Icon