ناس من المشركين يجادلون في ذات اللَّه تعالى ويقول سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)، ومجادلتهم في اللَّه سبحانه وتعالى مجادلة في ذات اللَّه تعالى من حيث قدرته على البعث، ومن حيث إرساله الرسل مبشرين ومنذرين، ومن حيث إن له شركاء في العبادة، فهو في لهو مستمر عن الحقائق ولا يتلقون الحقائق التي جاء بها محمد - ﷺ - بالجدل فيها وحولها من غير إذعان وتسليم، بل بعناد ولجاجة، والجدل في أمر من شأنه أن يذهب لب الحقيقة في وسط شد الجدل وجذبه، ويروى أن الآية نزلت في جدل بعض المشركين وهو النضر بن الحارث، وكان رجلا جَدِلا خَصما يقول: الملائكة بنات اللَّه والقرآن أساطير الأولين، ولا بعث بعد الموت،... وهكذا، وعلى أي حال فالآية الكريمة عامة، ونرى هذا الصنف من الناس في كل عصر، يمضغون الحقائق بجدل عقيم يثيرونه حولها، واختص هذا الصنف من الناس اليهود الذين اتبعهم الأوربيون والأمريكان وحذوا حذوهم؛ لأن ملهمهم واحد وهو الشيطان، فتشابهوا وتشاكلوا، لوحدة المصدر.
ومن يجادلون في ذات اللَّه على النحو الذي أشرنا إليه، كالذي جاء خبره عن النضر بن الحارث لَا يكون جدلهم قائما على علم علموه، أو رسالة بلغوها، ولكنه التقليد المجرد للمبطلين، ولذا قال تعالى: (بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ) الشيطان هنا عام يشمل شيطان الإنس من القادة والأمراء والرؤساء الضالين المضلين، ويشمل شياطين الجن الذين يوسوسون بالشر، ويزينونه، وقوله تعالى: (كُلَّ شَيْطَانٍ)، الكلية تدل على أنهم يتبعون المنحرف من الأفكار والأقوال، فيتبعون أحيانا شياطين الوجودية، وأحيانا شياطين الشيوعية ورئيسها اليهودي، وأحيانا شياطين التحلل من كل خلق كريم، و (مَّرِيدٍ) معناه المتجرد من كل معنى كريم، والعاري عن الفضائل، جاء في مفردات الأصفهاني ما نصه: " المارد والمريد من شياطين الجن والإنس المتعري من الخيرات في قولهم إذا تعرى عن الورق، ومنه قيل رملة مرد، إذا لم تنبت شيئا ".


الصفحة التالية
Icon