قَدَّمَتْ يَدَاكَ)، أي بسبب ما قدمت يداك، وبسبب أن اللَّه ليس بظلام للعبيد، و (بِظَلَّامٍ) صيغة المبالغة من الظلم، للإشارة إلى أن اللَّه تعالى لَا يعاقب إلا بذنب، وإنه لو عاقب من غير ذنب - معاذ اللَّه - لكان ظلاما وهو ليس بظلام، إذ يؤاخذ كل نفس بما كسبت، وإنه قد يعفو عن ظالم لخير فَعَلَه؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات؛ ولأنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا، ولكن لَا يمكن أن يكون ظالما.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١١)
هذا صنف من الناس لَا يدخل الإيمان قلبه إلى درجة الصبر على البلاء في إيمانه، بل يكون إسلامه بظاهر، وهو كأُولئك الأعراب، الذين قالوا: آمنا، وأمرهم اللَّه تعالى أن يقولوا: أسلمنا، ولما يدخل الإيمان بعد في قلوبهم، هؤلاء هم الذين قال الله تعالى فيهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ).
" الحرف " هنا هو الطرف، أي يعبد اللَّه على طرف من الدين، كالذي يكون على طرف من الجيش يقر فيه إذا أحس بالنصر ليأخذ من الغنيمة، وإن أحسَّ بالهزيمة فرَّ لكيلا يناله القتل وآثار الهزيمة، وقال سبحانه: (يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرفٍ)، أي على طرف الإيمان، فلا يعبده عبادة من امتلأ قلبه بالإيمان، وذاق بشاشته، وأحس باطمئنان نفس، واستقامة اعتقاد، وهذا تصوير لضعفاء الإيمان الذين اضطرب اعتقادهم، فكأنهم يكونون على حرف مع الإيمان وهو أقرب إلى الكفر، فطرف الشيء هو الأقرب إلى ما يجافيه، وقد قالوا: إنها نزلت في بعض الأعراب الذين قدموا المدينة وكان بعضهم إذا صح بدنه، ونتج إبله وولدت امرأته وكسب مالا وماشية، قال ما أصبت من هذا الدين إلا خيرا واطمأن، وإن أصابه شر قال ما أصبت وانقلب، وروي عن ابن عباس أنه قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبي - ﷺ - فيسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم فإن وجدوا عام غيث، وعام ولاد حسن قالوا: إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوه عام جدوبة وعام ولاد سوء وعام قحط قالوا: ما في ديننا هذا خير، ويصدق على هؤلاء قوله


الصفحة التالية
Icon