وبيان أن ذلك هو السبب في النعيم الذي آتاهم اللَّه بفضله ومنته، فبعملهم في الدنيا وأقوالهم الطيبة بالتوحيد والعبادة، وسلوكهم الطريق الأقوم نالوا ما نالوا في الآخرة.
وثمة اتجاه آخر، وهو أن هدايتهم إلى القول الطيب، والصراط الحميد هو في الآخرة ويكون من النعيم النفسي، إذ إن أهل الجنة يسمرون ويتبادلون القول الطيب، والسلوك الحميد في الآخرة، فيضاف إلى إنعام اللَّه إنعامٌ بالمسامرة التي ليس فيها فسوق في القول، بل مبادلة محبة ومحبة، وعندي أنه يجمع بين القولين، فتكون الهداية إلى القول الطيب والطريق المحمود في الدنيا والآخرة، واللَّه أعلم.
بعد أن بين اللَّه تعالى جزاء المؤمنين عاد سبحانه إلى ذكر جزاء الكافرين وأعمالهم التي استحقوا بها هذا الجزاء فقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٥)
ابتدأ سبحانه وتعالى القول بذكر الكافرين مؤكدا كفرهم بـ " إنَّ " الدالة على التأكيد، وقد ذكر الموصول لبيان أن الصلة هي سبب هذا الجزاء، والصلة فيها أمور ثلاثة تستدعي الاستنكار والعذاب الشديد:
الأمر الأول - الكفر، وكفر أهل مكة هو الإشراك باللَّه تعالى بعبادة الأوثان.
الأمر الثاني - الصد عن سبيل اللَّه تعالى بإيذاء المؤمنين ومحاربتهم، ودعوة العرب إلى عدم الإيمان باللَّه وبرسوله.
الأمر الثالث - بصدهم عن المسجد الحرام، ومنعهم من أداء المؤمنين الحج فيه، ويظهر أن هذه الآية نزلت في فترة الحديبية؛ لأن المسلمين حيل بينهم وبين الوصول إلى المسجد الحرام، وهو للناس جميعا؛ ولذا وصفه اللَّه تعالى بالموصول